روسيا كبش فداء للأزمات الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يراقب الروس، الفضيحة التي تتكشف عن تدخّل بلادهم في الانتخابات الأميركية عام 2016، بمزيج من التسلية ومشاعر الفخر والاستياء والأسف. وبالنسبة للمؤرخين، فإن التدفق المتواصل للرياء المناهض لروسيا في وسائل الإعلام، وعلى لسان السياسيين الانتهازيين، يشكل قصة قديمة، يجري تكرارها: عندما تقع أميركا في أزمة، تكون روسيا كبش الفداء الجاهز للاستخدام.

الداعمون للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فخورون بالقدرات الهائلة للدولة الروسية، وزعيمها، الذي كان قادراً بحكمته ودهائه على التأثير حتى في الانتخابات الأميركية. وفيما ينفي مسؤولو الدعاية في الدولة، كل الاتهامات بشأن التدخل بالانتخابات الأميركية، يستخدمون في الوقت نفسه الهوس المستمر بروسيا للنفخ في بوق الدعاية لبوتين، كزعيم من الطراز العالمي، ينبغي على الدول الاستماع إليه.

ويشعر منتقدو نظام بوتين من الليبراليين الروس، بالضيق للسبب نفسه تحديداً، ويعتقدون بأن وسائل الإعلام الأميركية والطبقة السياسية، ضخّمت أهمية بوتين أكثر من قدراته الفعلية. من وجهة نظر الليبراليين الروس، يعزز الهوس الأميركي المتواصل للعام الثاني على التوالي بروسيا، الشعبية المتلاشية لبوتين في الداخل، ليس إلا. ويشعرون بالقلق أيضاً من أن صورة النظام السياسي الأميركي، لا سيما هشاشته تجاه التدخل نسبياً، تعزز الأفكار والخطابات المناهضة للديمقراطية في روسيا.

لهذا الموضوع أهمية كبيرة لدى الروس الليبراليين، حيث إن السياسة الداخلية كانت مرتبطة بعلاقات موسكو بواشنطن منذ فترة طويلة. وقد تزامنت فترات من التعاون الأميركي الروسي المتزايد في العادة مع تحرير للسياسة بالداخل، في حين أن كل موجة من العداء بينهما كانت تجد ضحاياها بين الليبراليين الروس، وتعيق جدول أعمالهم الديمقراطي.

ولا يفهم معظم الروس، سواء المناهضين لنظام بوتين أو الموالين له، لماذا نغمة وسائل الإعلام الأميركية في مختلف التحقيقيات الأخيرة، كانت معادية للروس. إذا كان القلق بشأن انتخاب ترامب وفريقه الانتقالي، فلم تشويه سمعة روسيا؟

ويقارن كثيرون من الروس، ما يزعم أنه جرى في الانتخابات الأميركية مع التدخل الأميركي المزعوم في انتخابات روسيا السابقة. بالنسبة إلى العديد من الليبراليين الروس، فإن أخبار اليوم تحيي قصة احتجاجات 2012، ضد تزوير نتائج الانتخابات الروسية. وكانت دعاية الدولة في وقتها همشت قادة الاحتجاج بربطهم بالدبلوماسيين الأميركيين، وفي خطوة مهمة، عن طريق تشويه صورة أميركا. وكان مايكل ماكفول، السفير الأميركي في روسيا، ضحية تلك الحملة الدعائية.

وفي عام 2017، تتردد القصص بشأن السفير الروسي كمرآة لتلك الأحداث في آذان الليبراليين الروس. ومن الصعب أن نتصور أن مستشار ترامب لشؤون الأمن القومي آنذاك مايكل فلين، كذب على رؤسائه بشأن طبيعة محادثاته مع السفير الروسي سيرغي كيسلياك، لو لم تكن مثل تلك الاتصالات، تعتبر مشبوهة من قبل منتقدي ترامب.

وبالنظر إلى تاريخ العلاقات الأميركية الروسية، هناك عدة حالات في الماضي تبدو مماثلة للحاضر. وكان يجري نشر مزاعم مزيفة بشأن حيل سوفييتية باستمرار خلال الحرب الباردة من جانب المحافظين الأميركيين، لإثبات أن كل ما يحتقره هؤلاء في الولايات المتحدة، سواء الحقوق المدنية أو حركة مناهضة حرب فيتنام، كان بتحريض من السوفييت.

وعاشت الحرب الباردة تقلبات عدة. فبعد فترة من الانفراج وتخفيف التوتر في النصف الأول من السبعينيات، عادت ونشأت صراعات جديدة. قبل الغزو السوفييتي لأفغانستان في عام 1979، بدأ الرئيس كارتر في انتقاد موسكو بشدة لانتهاكها حقوق الإنسان. وقد استشهد بالتفوق الأخلاقي للولايات المتحدة من أجل الهجوم على خصم قديم في لحظة كان بريق أميركا في العالم قد تضرر بشدة بسبب حرب فيتنام، وفضيحة ووترغيت. وكان هدف كارتر الرئيس، إحياء مشاعر الفخر الأميركية باستخدام روسيا كورقة.

وبلا شك، ينبغي انتقاد النظام السياسي الفاسد لروسيا القيصرية، والاتحاد السوفييتي، وروسيا المعاصرة، وانتهاكاته لحقوق الإنسان، لكن لا يمكن تجاهل واقع أن توقيت السجالات الأميركية بشأن روسيا، وحدة الخطابات، أمر لا يمكن تفسيره بالتحركات الروسية فحسب.

فالموضوع الروسي يطفو على السطح في المجتمع الأميركي في خضم الأزمات الداخلية، حيث يجري تصوير روسيا، إما كمصدر تهديد على الجبهة المحلية، أو كقوة أدنى ينبغي إعطاء دروس لها من الأميركيين المتفوقين. كلاهما كان مركزياً في سبيل الحفاظ على ثقة الأميركيين بمهمة بلدهم التاريخية كالزعيمة الديمقراطية للعالم.

ومن هذا المنظور، وبالنظر إلى الهوس الأميركي الحالي، فإنه من الواضح أن روسيا تستخدم مرة أخرى ككبش فداء في صراع داخلي.

بعض الأميركيين يرون الأمر كأداة لإبقاء رئيس لا يمكن التنبؤ بتصرفاته تحت الضغط المستمر. وقد سمح لقاء فريق ترامب مع روسيا، سواء أكان أعضاء الفريق أبرياء أو لا، لأولئك المنتقدين في ربط ترامب بـ «غيره» من الرؤساء التقليديين في الهوية الأميركية، ما عزز صورة روسيا الشيطانية ونواياها.

وما حصل وسوف يحصل لترامب، هي قضية أميركية، لا علاقة لها بروسيا. القلق هو من تأثير الحملة الإعلامية الأخيرة والخطاب السياسي في تطور العلاقات الروسية الأميركية. وهناك عدد من النتائج قصيرة الأجل واضحة تماماً: لن تسمح الشكوك لدى الجمهور الأميركي لترامب في التحرك نحو تحسين العلاقات بين الدولتين، أو التفاوض على أي مساومة على قضايا مهمة، مثل الأسلحة النووية أو الأمن الأوروبي.النتائج على المدى الطويل، هي أكثر خطورة: إعادة إحياء صورة روسيا الشيطانية، كتهديد للنظام السياسي الأميركي، والشعور بهشاشة وضعف الديمقراطية الأميركية، مقابل منافسيها المستبدين، ورفض فهم مخاوف روسيا، حتى عندما تكون عقلانية.

* أستاذ التاريخ والعلاقات العامة في جامعة فولغوغراد روسيا

Email