أضواء على استراتيجية الأمن الأميركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصدر الكونغرس الأميركي عام 1985 قانوناً يلزم الرئيس بالإعلان عن استراتيجية إدارته للأمن القومي خلال سنته الأولى في البيت الأبيض وهو ما فعله الرئيس ترامب في الثامن عشر من ديسمبر الجاري.

تقع استراتيجية الرئيس في وثيقة من ستة وخمسين صفحة تتضمن الشعارات والوعود والأفكار والمعتقدات السياسية حول القضايا الداخلية والخارجية التي روج لها خلال حملته الانتخابية بعد أن جُمعت وشُذبت ووضعت في صيغ سياسية متماسكة تتمحور حول شعاره المفضل «أميركا أولاً». وقد مهد لها الرئيس بصفحتين ابتدأهما بالقول «لقد انتخبني الأميركيون لأعيد لأميركا عظمتها»، وذيلها بتوقيعه الشهير.

الوثيقة تبدأ بمقدمة من أربع صفحات تليها أربعة فصول أسميت أعمدة أو ركائز تتعلق بما يختص بالشأن الأميركي وحمايته محلياً ودولياً حاضراً ومستقبلاً، ثم فصل أخير حول استراتيجية الولايات المتحدة في مواجهة القضايا العالمية التي خصص لها تسع صفحات. وقد اختتمت الوثيقة بصفحتين من الاستنتاجات المتفائلة وضع الرئيس على رأسها ما سبق أن وضعه في تمهيده للوثيقة من تطمينات حول المستقبل «يمكن للشعب الأميركي أن يثق بأن أمنه وازدهاره سيأتيان دائماً أولاً وستكون أميركا آمنة مزدهرة حرة قوية مستعدة لقيادة الخارج لحماية مصالحنا وأسلوب حياتنا».

الركائز الأربع التي وضعها الرئيس من أجل «أميركا أولاً» هي: توفير الحماية للشعب الأميركي؛ زيادة ازدهاره ورخائه؛ الحفاظ على أمنه وسلمه من خلال تعزيز قوته؛ توسيع نفوذه دولياً. فهو يرى «إن الأمة التي لا تتمكن من الحفاظ على الرخاء في الداخل لا تستطيع حماية مصالحها في الخارج» و«إن دولة غير مستعدة لخوض حرب والفوز بها غير قادرة على منع نشوبها».

خصص الرئيس ثماني صفحات للركيزة الأولى تضمنت محاور تتعلق بمواجهة أسلحة التدمير الشامل ومكافحة التهديدات البيولوجية والجرثومية وتعزيز السيطرة والرقابة على الحدود والتشديد في سياسات الهجرة وهزيمة المنظمات الإرهابية وتفكيك الشبكات الإجرامية وحماية المصالح الأميركية في فضاء سايبر وتعزيز قدرات الشعب على امتصاص الصدمات المفاجئة الطبيعية أو غيرها التي قد تصيب المدن أو الأمن أو الاقتصاد وعلى الاستفاقة السريعة من تداعياتها.

أما الركيزة الثانية، فقد حظيت بسبع صفحات وتضمنت التركيز على أهمية التجديد في الاقتصاد المحلي وتعزيز العلاقات الاقتصادية الحرة والعادلة والريادة في البحث والاختراعات والابتكارات التكنولوجية وتعزيز وحماية قاعدة الابتكارات الأمنية الوطنية وتأمين الحصول على مصادر الطاقة المتنوعة.

أما الركيزة الثالثة، فقد شغلت أحد عشرة صفحة حول مفهوم إدارته لتحقيق السلم، وهو التفوق في الحصول على أسباب القوة، وتضمنت التجديد في المزايا التنافسية الأميركية وتحديث القدرات العسكرية والقاعدة الصناعية لها، تطوير القوة النووية، الفضاء الخارجي، فضاء سايبر والمخابرات. وجنباً إلى جنب ذلك تعزيز القدرات الدبلوماسية التنافسية وتنويع أدواتها.

أما الركيزة الرابعة، فقد خصص لها ست صفحات كرست لتعزيز صورة الولايات المتحدة في العالم من خلال تقديم نفسها كقوة إيجابية تعمل على وضع الحلول للمشكلات وتقديم المساعدات للدول الأخرى وإقامة الشراكات مع من يتفق مع تطلعاتها للحرية والرخاء.

أما ما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة الخارجية التي تتكامل وتتناغم مع الركائز الأمنية الأربع، وانطلاقاً من القناعة بعدم قدرة شعب واحد على تحقيق السلم والاستقرار في العالم، فإن الولايات المتحدة ترى أن ذلك يتطلب إقامة توازن والتزام قوي وتعاون وثيق مع الحلفاء والشركاء في شتى المناطق في العالم لأنه عبر هؤلاء تتضاعف قوة الولايات المتحدة ويتعزز نفوذها الخارجي.

وقد شخصت الوثيقة بأن روسيا والصين أبرز المنافسين لنفوذها ولقوتها ومصالحها من خلال العمل على تنمية قدراتهما العسكرية والسعي لتقويض الأمن والازدهار الأميركيين.

الجوهر في الرؤية الاستراتيجية لإدارة الرئيس الأميركي محلياً ودولياً هو الانطلاق من منطق «القوة» التي تتمتع بها الولايات المتحدة في مقاربة القضايا الدولية، فالرئيس يركز على الأسلحة النووية، ويؤكد أنها خدمت هدفاً حيوياً في استراتيجية الأمن القومي الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي ستبقى أساساً لهذه الاستراتيجية للحفاظ على السلم والاستقرار بردع أي عدوان على الولايات المتحدة وحلفائها.

وقد عمل فعلاً منذ مجيئه للرئاسة على عسكرة السياسة الأميركية بزيادة عدد الجنرالات في إدارته ورفع ميزانية البنتاغون بما يعادل 10% على خلاف سلفه أوباما، ودون أن يندفع نحو الحروب الاستباقية، كما فعل بوش الابن، وهو بذلك ينتقد الرئيسين ويعتبر سياساتهما منذ سقوط الاتحاد السوفييتي ذات طابع يتسم بالرضا والقناعة ويفتقر للطموح.

* كاتب عراقي

Email