ترامب وتغافل حقائق التاريخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

تجادل الفلسطينيون في القرار المتسرع وغير المتروي الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية مزعومة لإسرائيل.

وأشار أحدهم إلى أن قرار مجلس الأمن الذي تم اتخاذه في عام 1980 أعلن بشكل مستفيض أن القرار الذي أقره رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن وقتها بأن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل ومتوحدة بجزئيها الغربي والشرقي، هو قرار باطل ولاغ.

وجادل فلسطيني آخر بأنه كان يتعين على ترامب تحديد القدس الغربية عاصمة لإسرائيل مما يتيح إمكانية اعتبار القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية مستقبلاً. وهذا قرار لم يجرؤ ترامب على اتخاذه.

وذكر أحد المسؤولين الفلسطينيين أنه كان يتعين على ترامب ألا يتخذ مثل هذا القرار الذي أثار زوبعة في منطقة مشتعلة في الأساس. وأضاف أنه بالنسبة للفلسطينيين فإن حصة متساوية في القدس هي الحد الأدنى الذي يقبلون به، وتحدي ترامب لذلك، سيتسبب بتدمير عملية السلام.

وكما يرى الفلسطينيون أن ترامب قد وجه ضربة قاضية لعملية السلام، فإن كل الحكومات الأوروبية ترى ذلك بصورة رسمية، مما يظهر تحليها بالرصانة وضبط النفس في السياسة الخارجية.

ولكن بالنسبة للفلسطينيين فإن هذا الموقف الأوروبي ناجم عن الإرادة الفولاذية والتصميم القوي للفلسطينيين بعدم اقتناعهم بتقبل 50 عاماً من الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم، أو يحول دون تطلعاتهم الوطنية.

ويقول أيمن عودة عضو الكنيست الإسرائيلي من عرب 1948، من الصعب تخيل ما الذي جعل ترامب أشبه بشخص لديه هوس بإشعال الحرائق، وأنه بضربة واحدة كشف الإجماع الغربي الدقيق على أعوص القضايا وأشدها اشتعالاً بين إسرائيل والفلسطينيين.

ومما لا شك فيه أن الدوافع المعقدة في القرار الذي اتخذه ترامب في النهاية بنقل السفارة الأميركية إلى القدس في تحدٍ للإجماع الدولي، يعود تاريخه إلى عام 1995.

لكن أحد المحفزين على اتخاذ ترامب هذا القرار الآن هو شيلدون أديلسون، وهو أكبر ممولي حملة الرئيس الأميركية الانتخابية في عام 2016، ومؤيد متعصب لليمين الإسرائيلي والقومية الصهيونية، علاوة على أنه الممول الأصلي للصحيفة المجانية الإسرائيلية المتطرفة «إسرائيل هايوم» أو «إسرائيل اليوم»، التي تعتبر أكبر صحيفة على الإطلاق مؤيدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.

والواضح أنه إذا كانت هذه محاولة من ترامب لتحقيق حلمه بـ«صفقة القرن» من خلال تحقيق وعوده الانتخابية، مهما كان الثمن، فإن هذا الاعتراف جاء بنتيجة عكسية.

وكان يتعين تجميع هذا الزخم القوي من خلال الحوار الودي بين الأطراف المعنية في الشرق الأوسط. وربما كان ذلك ناجماً عن اقتراح في وقت سابق بإعطاء الفلسطينيين عاصمة لهم في ضواحي القدس، وبالتحديد في بلدة أبو ديس. وتمت الإشارة إلى ذلك في البداية في اتفاقية أوسلو في مطلع التسعينيات، ولكن سخر منها الفلسطينيون ورفضوها بصورة قاطعة.

وإذا كانت بعض الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط تعتقد أن بإمكانها تجاهل الفلسطينيين، فإنه يستهين في الواقع بمكانة القدس ليس في نفوس الفلسطينيين فحسب، ولكن في نفوس العالم الإسلامي قاطبة. ويتعين الأخذ بعين الاعتبار مبادرة السلام العربية التي تبنتها السعودية.

وهي تقضي باعتراف العالم العربي بإسرائيل مقابل دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، وهو ما عرضته حكومة الرياض على جاريد كوشنر مبعوث الرئيس الأميركي أثناء زيارته الأخيرة للسعودية.

والمغالطة الصارخة في منطق ترامب بأن عدم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وعدم نقل السفارة الأميركية إليها لم يجلب السلام، وكأنه لا توجد معوقات أخرى للسلام كالاستيطان والتمسك بالأراضي المحتلة.

هل كان ترامب يعتقد أن الفلسطينيين سيقبلون على نحو ما بشروط مذلة بالكامل مقابل عدم استكمال بناء السفارة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فإن ترامب لا يفهم طبيعة أزمة الشرق الأوسط على الإطلاق. والنتائج الفورية لهذا الجهل بالتاريخ سيعتمد كثيراً، كما يعتقد الفلسطينيون، على مدى قدرة الشرطة الإسرائيلية على استيعاب الغضب الفلسطيني.

 

Email