قرار أسود من البيت الأبيض

ت + ت - الحجم الطبيعي

سجل 6 ديسمبر 2017، يوماً أسود، على يد ترامب، وقراره الاعتراف بمدينة القدس، عاصمة للمشروع التوسعي الصهيوني، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى عاصمة فلسطين وقلبها، بما يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية.

وبما يتنافى مع الدور الذي تدعيه الولايات المتحدة وتفرضه، باعتبارها وسيطاً راعياً للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وهو دور مارسته الإدارات الأميركية المتعاقبة من الجمهوريين والديمقراطيين، ولم يُقدم عليه أي رئيس أميركي، وبقيت إدارات البيت الأبيض تُؤجله باستنكاف الرؤساء كل ستة أشهر.

وعدم التوقيع على القرار، حتى جاء الرئيس ترامب ووقعه، متهماً الرؤساء السابقين بعدم امتلاكهم شجاعة التوقيع، رغم وعودهم الانتخابية حيال هذا الموضوع، الأمر الذي يدفع باتجاه السؤال بقوة، لماذا فعلها ترامب؟، وبهذا التوقيت بالذات؟.

ترامب مأزوم بحكاية تورط من أوصلوه إلى البيت الأبيض، بقصة التجسس الروسي على منافسته هيلاري كلنتون. وهو معني بضمان ولاية ثانية بأصوات اللوبي اليهودي الأميركي. يوحي بذلك الطريقة الاستعراضية التي وقّع فيها القرار الأسود. فقد رفع القرار أمام الحضور وشاشات التلفزة، ولسان حاله يقول: ها قد وقعت لتنقذوني وتنتخبوني لولاية ثانية.

أزمة ترامب الداخلية تتفاقم، بعد ثبوت العاملين معه كذبهم بنفي علاقتهم مع الروس للمساعدة في نجاحه في معركة الرئاسة، ومقارنة مع ريتشارد نيكسون، الذي هزمه تجسسه على خصمه الديمقراطي، فكيف يكون الحال، حينما يكون التواطؤ مع طرف أجنبي؟.

العامل الآخر في قرار ترامب، هو تورط نتانياهو في أربع قضايا فساد، ستنال منه وتطيح به، بعدما فشل في تمرير قرار لدى الكنيست بتوفير الحماية له خلال توليه رئاسة الحكومة، ما يتطلب حدثاً قوياً وإجراء استثنائياً يوفر له مظلة الحماية، فكان قرار ترامب غير المسبوق، الذي وصفه على أنه قرار تاريخي، حصلت عليه تل أبيب بعهد نتانياهو، وبذلك، استعمل الحليفان ترامب ونتانياهو بعضهما البعض.

كتب الصحافي الأميركي المشهور، توماس فريدمان، في صحيفة نيويورك تايمز، تعليقاً على قرار ترامب قوله حرفياً:

«تمنت كل حكومة إسرائيلية، منذ يوم تأسيسها، أن تعترف الولايات المتحدة، أن القدس عاصمتها، لكن جميع الإدارات الأميركية امتنعت عن فعل ذلك، قائلة إن الاعتراف يجب أن يأتي فقط في أعقاب اتفاق سلام نهائي متفق عليه بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن كل هذا انتهى اليوم، لقد منح ترامب الإسرائيليين القدس مجاناً، ويا لها من صفقة؟!، كيف يمنح مثل هذه الهدية المجانية، من دون استخدامها في الوصول إلى اتفاق إسرائيلي فلسطيني».

ماذا يعني أن تُصبح القدس عاصمة «إسرائيل»، وأن تعترف الدول رسمياً بذلك:

أولاً: إلغاء كل القرارات الدولية بالحفاظ على الموروث الثقافي الإسلامي والمسيحي ونسبه إلى أهله، بحجة أن القدس أصبحت عاصمة لإسرائيل، ولها الحق في السيطرة والتوسع وبناء عاصمتها بالشكل الذي تريده. ثانياً: نسف كل الحقوق المطالبة بحرية زيارة الفلسطينيين والعرب للأماكن المقدسة في المدينة، بحجة الحفاظ على أمن العاصمة. ثالثاً:

رفع جميع الوصايات الدولية والعربية والإسلامية عن مدينة القدس، والتي ترفض أن تكون عاصمة الدولة تحت وصاية أحد. رابعاً: بناء قواعد عسكرية في القدس، ودخول الجيش الإسرائيلي بشكل رسمي إلى جميع أرجاء المدينة . خامساً: التهديد بشكل مباشر بهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم. سادساً:

طرد كل من لا يملك هوية إسرائيلية من المدينة، وتجريدها من سكانها الأصليين. سابعاً: إلغاء جميع أوراق الطابو والوثائق الرسمية لأملاك أهل مدينة القدس، وسيطرة إسرائيل عليها باعتبارها أملاك دولة.

لقد بعثت الأسرة الدولية برسالة إلى ترامب، من خلال التظاهرات في العواصم العالمية الكبرى، ترفض القرار المشؤوم، فالاستطلاع الذي أجري في الولايات المتحدة، أظهر أن (31 %) من الأميركيين يؤيدون القرار، ووصفته «الإيكونومست» بالقرار الطائش أو المتهور، ووصفته «واشنطن بوست» بالمخاطرة الكبيرة.

فهل يتعظ ترامب، ويصدر قراراً (بالاعتراف بالقدس المحتلة) عاصمة للدولة الفلسطينية؟.

 

Email