العلاقات البريطانية الخليجية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعود العلاقات بين دول الخليج وبريطانيا إلى وقت طويل، ويتوقع أن تتوطد تلك العلاقات خلال المستقبل المنظور لأسباب تتعلق بحاجة كل طرف للآخر، والظروف الإقليمية والدولية المحيطة بمنطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن. كان استقبال رئيسة الوزراء البريطانية كضيفة شرف خلال قمة مجلس التعاون الخليجي في ديسمبر العام الماضي بالمنامة هو أحد المؤشرات الهامة على التحول الكيفي في علاقات الطرفين. وقد أوضحت ماي خلال القمة أن حجم التبادل التجاري بين الجانبين وصل إلى 30 مليار جنيه استرليني العام الماضي.

وقد أجرت ماي اتفاقات تجارية وعسكرية وأمنية بين بريطانيا ودول المجلس.

هناك حاجة ملحة من بريطانيا لدول المجلس في عدة ملفات، ولا سيما الاقتصادي والعسكري، وملف مكافحة التطرف والإرهاب.

تسعى بريطانيا لعمل شراكات اقتصادية خارج الاتحاد الأوروبي بعد الانسحاب منه في مارس عام 2019، وتجد في دول المجلس أحد الشركاء التجاريين المفيدين للاقتصاد البريطاني. هناك مليارات الدولارات من الاستثمارات الخليجية في بريطانيا. هناك أيضاً استثمارات بريطانية قد تبلغ قرابة 30 مليار جنيه استرليني خلال السنوات الخمس المقبلة في دول الخليج. يضاف إلى ذلك الحاجة إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية والتجارب العملية لمحاربة التطرف والإرهاب.

تعاني بريطانيا من شر الإرهاب، وذاقت مرارة خمس عمليات إرهابية خلال هذا العام أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات. إن التعاون المعلوماتي وتبادل الخبرات قد يكون مفيداً لبريطانيا والعالم كله للقضاء على هذا السرطان تدريجياً. على سبيل المثال أكدت ماي على أهمية السعودية كحليف مهم في مكافحة الإرهاب، وكذلك في المجال الاقتصادي، وذلك قبل زيارتها الأخيرة للسعودية التي التقت خلالها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان. يذكر أن السعودية هي أكبر شريك تجاري لبريطانيا في الشرق الأوسط.

على الجانب الآخر تسعى دول الخليج لإيجاد شراكات أقوى مع بريطانيا وعدم الاعتماد الكلي على العلاقات الأميركية الخليجية. إن الموقف الأميركي حيال إيران جعل بعض قادة مجلس التعاون الخليجي يفكرون في وضع ضغوط على الولايات المتحدة من خلال عمل شراكات أقوى مع حلفاء أوروبيين، ولا سيما بريطانيا. هناك عدم رضاء من قبل بعض دول المجلس عن الاتفاق النووي الموقع في عام 2015 بين إيران والقوى الكبرى، ويعتبرون إيران خطراً على منطقة الخليج.

إن الاتفاقات الأمنية بين الطرفين البريطاني والخليجي تقوى من موقف المنطقة تجاه الطموحات التوسعية الإيرانية من خلال تواجدها في العراق ولبنان واليمن وسوريا. بالرغم من تمسك بريطانيا بالاتفاق، فهناك تفهم بريطاني للمخاوف الخليجية من إيران. وقد ذكرت ماي خلال قمة مجلس التعاون الخليجي في البحرين عام 2016 «لذلك أود أن أؤكد لكم أنني أعي تماماً الخطر الذي تشكله إيران على الخليج والشرق الأوسط... لا بد أن نعمل معاً لصد التصرفات العدائية الإيرانية». وتجد دول الخليج في بريطانيا فرصاً استثمارية كبيرة، ولا سيما في مجال العقارات والبنوك.

إن التنوع في الشراكات الدولية هو أمر بالغ الأهمية في ظل الحاجة إلى ممارسة الضغوط الدبلوماسية على الصعيد الدولي لتحقيق مكاسب في بعض الملفات الهامة للدول المعنية. ومن هنا تؤكد زيارة رئيسة الوزراء البريطانية إلى السعودية الأخيرة مدى أهمية العلاقات بين الجانبين، والتي تعد أحد الأمثلة الخليجية على التواصل بين الطرفين.

تعمل ماي على التأكيد على أن دور بريطانيا على الخريطة الدولية سيظل مؤثراً حتى بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي. في هذا السياق أكد نائب المدير العام لمؤسسة روسي البحثية البريطانية مالكولم تشالميرس أن دور بريطانيا لن يتأثر بالخروج بالنظر إلى تشعب علاقاتها الخارجية ووضعها كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي. ولا تجد دول الخليج مشكلة في مساعدة بريطانيا على تفعيل دورها الدولي مادام الجانب البريطاني يقدم دعماً لها في مواجهة إيران من جانب، وتستفيد دول المجلس اقتصادياً من جانب آخر.

أعتقد أن مستقبل العلاقات بين الجانبين على الصعيدين الاقتصادي والأمني سيشهد ازدهاراً ونمواً لحاجة كل طرف للآخر. إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق قد يجعل العمل بسرعة على تقوية العلاقات الاقتصادية بين الجانبين كضرورة ملحة للحكومة البريطانية. كما أن استمرار خطر التطرف والإرهاب، ولا سيما داخل بريطانيا يجعل الاستفادة من المعلومات الاستخباراتية القادمة من دول الخليج هامة جداً في جهود بريطانيا لمكافحة تلك الظاهرة الخطيرة بالداخل البريطاني. في الوقت الذي تحتاج دول الخليج بريطانيا، فالحاجة أكثر إلحاحاً على الجانب البريطاني.

Email