مستقبل سوريا المرتهن

ت + ت - الحجم الطبيعي

وضعت الحرب على تنظيم داعش أوزارها في العراق وتوشك على ذلك في سوريا، إلا أن الحرب الأهلية الدائرة فيها منذ ست سنوات مخيرة شعبها بين بلده أو رئيسه لمّا تنتهِ بعد رغم أن إحدى نتائجها أصبحت واضحة، فإن احتمالات بقاء الأسد لم تعد مستحيلة.

إلا أن هذه التطورات لا تعني بأن الطريق أمامه قد أصبح سالكاً، فهو يترأس بلداً ممزقاً وشعباً منقسماً ويواجه عزلة شديدة إقليمياً ودولياً وحليفه الوحيد في المنطقة إيران التي تعاني مأزقاً خطيراً بسبب سياساتها التي تهدد استقرار المنطقة. ومن المرجح في ضوء ذلك أن تكون مساحة حريته في صياغة السياسات ورسم مستقبل بلده رهينة إرادة القوى التي أمدته بأسباب القوة وساعدته على الصمود.

وإلى جانب الميليشيات الإيرانية التي عززت نفوذها ونطاق تواجدها في سوريا، ساهمت تعقيدات الحرب في سوريا ومن ضمنها الحرب على داعش في جلب دول أخرى ليصبح لها حضور فعلي على أرضها وليكون لها لاحقاً ما تقوله بشأن مستقبلها، وعلى رأسها الولايات المتحدة وتركيا وروسيا إضافة إلى حضور مليشيات فاعلة على الأرض تحمل هويات لبنانية وعراقية وأفغانية وباكستانية وغيرها.

هناك قناعات تعززت على مدى سنوات بأن مستقبل سوريا لا يتقرر إلا بحل سياسي، القوى التي ستقرر ذلك تتفاوت في حجم دورها، فالدور الأول هو من نصيب روسيا، إلا أن السؤال المطروح هو من سيخرج ومن سيبقى وبأي غطاء شرعي محلي أو دولي. روسيا كررت على لسان مسؤوليها أن إيران ستخرج بعد هزيمة تنظيم داعش وتنظيم جبهة النصرة إلا أن ذلك قد لا يكون جاداً في ضوء تصريحات وزير خارجيتها مؤخراً والذي اعتبر فيه الوجود الروسي والإيراني في سوريا شرعي لأنه تم بطلب من النظام القائم في حين أن الوجود الأمريكي والتركي غير شرعيين!

الدفاع الروسي عن الوجود الإيراني في سوريا لا ينبع عن قناعة بدوره الإيجابي فهو ليس مما يتفق مع ما تريده روسيا في سوريا كما أن الوجود الإيراني يستهدف تهميش الدولة السورية على طريقة عمل حزب الله في لبنان.

هناك مساران متوازيان لمقاربة الأزمة السورية الأول هو مسار جنيف برعاية الأمم المتحدة، والذي لم يحقق نجاحاً يذكر، وهناك مسار سوتشي الروسي الذي يقتصر على ما يتوصل إليه رؤساء روسيا وإيران وتركيا بمشاركة شبه رمزية من رئيس النظام السوري، وهو مسار من الصعب أن يحظى بالقبول في مجلس الأمن الدولي الذي سبق أن رسم مسار جنيف.

الولايات المتحدة لها ما تقوله فهي ترفض بقاء الرئيس الأسد وتطالب بخروج جميع المليشيات من الأراضي السورية وتشترط لخروج قواتها التسوية السياسية في جنيف، وهو ما لا ترغب فيه موسكو، التي عملت منذ دخولها سوريا في سبتمبر 2015 على تجاوز جنيف وإبعاد الأمم المتحدة من القيام بدورها عن طريق وضع بديل برعايتها كان آخرها الدعوة إلى مؤتمر سوتشي. تركيا هي الأخرى راغبة في البقاء فهي تؤسس عدة قواعد في منطقة إدلب وتبرر وجودها بالتهديد الذي يتعرض له أمنها القومي من قوات سوريا الديمقراطية الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.

إنها معادلة صعبة تلقي بالكثير من الظلال على مستقبل سوريا فالتسوية أياً كانت ستكون هشة للغاية لعمق ما خلفته الحرب من تصدعات في النسيج المجتمعي ولكثرة ما تركته التدخلات الإقليمية من إشكالات.

التسوية وفق سيناريو جنيف تتيح للدول الغنية المشاركة في إعادة بناءها في حين أنها وفق منظور سوتشي لا تقود بالضرورة لذلك إذ تبقي سوريا في عزلة إقليمية ودولية، فالرعاة الثلاث المجتمعون في المدينة الروسية ليسوا في توافق حول مساعدتها فتركيا غير متعاطفة مع النظام، كما أن روسيا وإيران رغم تحالفهما معه ليستا في وضع اقتصادي يسمح بتقديم معونات مجانية أو قروض بمبالغ كبيرة.

صحيح أن إيران قد وظفت مبالغ طائلة لإسناد هذا النظام خلال سنوات الحرب الستة لمواصلة دفع رواتب الحكومة وتمويل جهودها الحربية والحفاظ علي الخدمات الأساسية الجارية إلا أن عملية إعادة إعمار سوريا تتطلب جهداً دولياً، فوفق تقديرات البنك الدولي التي كشف عنها في المنتدى الاقتصادي العالمي في البحر الميت في الأردن في مايو المنصرم أن سوريا بحاجة إلى ما يقرب من 180 مليار دولار لإعادة إعمار الخراب الذي سببته الحرب.

 

 

Email