إيران وتهديداتها للعالم العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تبدو إيران في الوقت الراهن أكبر تهديد للدول العربية خاصة في اليمن وسوريا ولبنان والعراق ودول الخليج، وتمثل خصماً وعدواً للعالم العربي قد يفوق خصومة وعداء العالم العربي لأي عدو في تاريخه.

لا شك أن التغلغل الإيراني في الدول العربية وإنشاء وترسيخ قواعد للتدخل الإيراني وتشكيل شبكات زبائنية لإيران في العديد من الدول العربية، كان تتويجاً لتضافر عدد من العوامل الإقليمية والدولية والعربية التي استثمرتها إيران للوصول إلى أهدافها.

النظام العربي ومنذ عدة عقود مضت فقد الكثير من قوته وتراجع عن الأدوار التي اضطلع بها في حقبة سابقة، وتخلى عن التضامن العربي الفعال الذي تجلى ظاهراً في حرب أكتوبر عام 1973، وعانى من الانقسام بعد غزو العراق للكويت عام 1990، وسبق هذا الانقسام، انقسامات أخرى في الصراع العربي الإسرائيلي، هذه الانقسامات بتوالي تكرارها مهدت لتراجع النظام العربي وافتقاده البوصلة الجماعية، التي مكنته في فترة سابقة من مواجهة التحدّيات المطروحة.

من ناحية أخرى، فإن النفوذ الإيراني والطموحات الجيو سياسية لإيران بقيت كما هي لم تتغير، رغم تغير الغطاء الأيديولوجي بعد ثورة الخميني عام 1979، ومنذ ذلك التاريخ شرعت إيران في التكيّف مع الواقع الجديد واستثمار الفراغ الذي خلقه تراجع الدور العربي والنظام العربي، وعملت بدأب على إنشاء «شبكات زبائنية» في العديد من البلدان العربية كلبنان واليمن وسوريا والعراق والذي أفضى الاحتلال الأميركي له إلى تمكين النفوذ الإيراني في العراق.

ترافق تراجع النظام العربي في مجمله مع تراجع في وظائف الدولة الوطنية، ذلك أن بعض الدول العربية لم تتمكن من توظيف التنوع الطائفي والمذهبي والعرقي لتمتين علاقات الشراكة الوطنية والمواطنة، وتبنى بطرق واعية أو غير واعية، معلنة أو غير معلنة سياسات الإقصاء والتهميش للعديد من الطوائف والفئات.

وأصبحت هذه الطوائف أداة في يد القوى الخارجية، وتريد أن تصحح أوضاعها والمهم أنها وجدت من يؤازر مطالبها ويدعمها مالياً وسياسياً بل ويساعدها في تشكيل أذرعها العسكرية لتحصين مكانتها بقصد السيطرة على صنع القرار أو على الأقل تعطيل اتخاذه دون موافقة هذه الطوائف.

ويبدو الموقف الإيراني جلياً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ومع تراجع الموقف العربي سارع النظام الإيراني إلى ملء هذا الفراغ والإمساك بالورقة الفلسطينية، وعلى المستوى الجيو سياسي ساعد التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية على توظيف إيران هذا التعاطف لتحقيق المصالح السياسية والإستراتيجية وتعزيز المشروع الإقليمي الإيراني في الهيمنة والسيطرة من أفغانستان حتى ساحل البحر الأبيض المتوسط.

القضية الفلسطينية في المنظور الإيراني أداة وخدعة لتحقيق المشروعية والمقبولية والصدقية لدى الرأي العام العربي.

يضاف إلى ذلك أن أحداث ما يسمى بـ «الربيع العربي» قد عمقت من أزمة بعض الأنظمة العربية من خلال تآكل الدولة الوطنية وانهيارها في العديد من الحالات وخلق أجندة جديدة لدى الدول العربية لترتيب أوضاعها والحؤول دون انهيارها من خلال مقاومة الإرهاب وإعادة بناء الدولة، وهي المهمات التي لا تزال قائمة وتستنزف الطاقات العربية ومهدت لانقسام جديد بين الدول الراعية للإرهاب وتلك الدول التي تقاوم الإرهاب، والمحصلة النهائية إفساح المجال للمشروعات الإقليمية لكل من إيران وتركيا وإسرائيل.

لم تستطع بعض الدول العربية المعنية التنبؤ بمسار الأحداث واتجاهاتها والغاية النهائية التي يراد تحقيقها، وبعضها فوجئت بتشعب التدخل الإيراني وتدخلاته واعتداءاته على سيادة الدول ومؤامراته داخلها، وسعيه الدؤوب لتصدير الثورة وإثارة الاضطرابات.

وهنا هبت الدول العربية للمواجهة، ومع ذلك فإن هذه المواجهة وإن جاءت متأخرة فإن ذلك أفضل من ألا تجيء، رغم مضاعفات وتكلفة هذه المواجهة بعد مضي هذا الوقت. يقع على مصر عبء الدور الأكبر في احتواء مضاعفات المشهد الراهن بحكم ثقلها الدبلوماسي وحضورها الدولي وعلاقاتها المتوازنة وقدرتها على تخليق الأفكار والمبادرات ومسلكها الأخلاقي والمصداقية التي تحظى بها في المحافل العربية والدولية.

 

 

Email