قول في الحذاء والقدم

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثار الاعتذار الذي قدمه بعض المتظاهرين لحسن نصر الله زعيم حزب الله الشيعي صاغرين، بما تضمن من كلمات متعلقة بتقبيل قدمه وحذائه "صرمايته"، موجة من السخط لدى أصحاب الكرامة الإنسانية. فأن ترى في اليوم الأول شخصاً متمرداً بكامل كبريائه وكرامته يعبر في لحظة صدق عما يختزن في ذاته من رفض وغضب وبصوت جهوري وبأعلى طاقة الإنسان على الصراخ، وينال من شخص ينظر إليه بوصفه المسؤول عن تعاسته، ثم ترى الشخص نفسه في اليوم التالي خانعاً ذليلاً، وبصوت يكاد يُسمع معتذراً من تمرده وقوله بحق "المتسيد"، ويطلب من حذائه السماح، فهذا دليل على الحد الذي يصل فيه متسلط على إذلال الآخر.

وإذا أضفنا إلى هذه الواقعة واقعة تمجيد حذاء الجندي السوري من قبل بعض مثقفي وفناني الجماعة الحاكمة، أدركنا طبيعة الإذلال والأذلاء وظهورها.

ما قصة العلاقة بين القدم والحذاء من جهة والتذلل والإذلال من جهة ثانية؟ بل ربما يكون مفهوم الإذعان هو المفهوم الأليق بهذه الحال. ولهذا يمكن القول إن تقبيل القدم أو الحذاء والخشوع لهو ذروة التعبير عن الإذعان.

لنترك فرويد وتحليله ونحصر اهتمامنا بالدلالة الرمزية للقدم والحذاء في الثقافة الموضوعية - الأنتروبولوجية.

فالحذاء ما يوضع في الرجل لوطء الأرض. ومن مرادفاته النعل والصرماية (الصرمة وتعني الجلد بالفارسية) والوطية الخ.

ووصف الإنسان بالحذاء تقليل من شأنه، إذ إنه في هذا الحال يداس به، وإذا توسلت شخصاً بقولك: أبوس قدمك أو رجلك فهذا يعني بأن حاجتك المرجوة منه كبيرة ومهمة ومصيرية إلى الحد الذي تحمله على بوس القدم.

أما إذا قلت لشخص تحبه كسر لك شيئاً عزيزاً: بأن هذا الشيء فداءً لحذائك، فهذا دليل على قيمته العالية عندك التي ترخص أمامه الأشياء كلها.

أما إذا اعتذرت من شخص ما بقولك: نقبل حذاءك وقدمك طلباً لمغفرة وخوفاً من تبعات عدم المغفرة، فإنك قد بلغت الدرجة السفلى من الإذعان المعبر عن إهدار الكرامة.

فيما لو أنك ضربت شخصاً بالحذاء، فإنك قررت أن تهينه بأعلى درجات الإهانة.

وفي كل الأحوال فرمزية الحذاء تنطوي على النزعتين المازوشية والسادية، فإذا تذلل شخص لشخص باستخدام رمزية الحذاء دون أن يحمله أحد على ذلك فهو شخص مازوشي. أما إذا حمل قوي ضعيفاً على التذلل والخنوع والإذعان عبر رمزية الحذاء فهذه سادية صريحة.

والمنظر الذي شاهده الملايين لمجموعة من البسطاء والفقراء اللبنانيين في الضاحية الجنوبية يعتذرون (لحسن نصرالله) عبر رمزية حذائه مشهد معبر عن سادية الفاشية المتأخرة والمتخلفة جداً، صحيح بأن كل فاشية متخلفة، لكن لم تشهد الفاشيات إذلالاً لجمهورها الغاضب كما هي صورة السادية التي شاهدنا.

مشهد كهذا يطرح علينا موضوع الكرامة الإنسانية وثقافة الكرامة الإنسانية والحفاظ على كرامة الإنسان. ففي جميع الأديان هناك إجماع على أن الله قد خلق الإنسان على صورته، وفي جميع الفلسفات إقرار بقيمة الإنسان وكرامته، ومفهوم الاحترام يعني الحفاظ على كرامة الآخر وعكسه الإهانة.

وعندي أن المعركة الثقافية التي علينا أن نخوضها هي معركة الدفاع عن الإنسان وعيشه في أعلى درجات الكرامة. بل إن الإحساس بالكرامة إحساس بالسعادة البشرية.

Email