كردستان خسارة في الميدان والمفاوضات

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهدنا في الآونة الأخيرة مثالين على العواقب الوخيمة، التي تترتب على مبالغة قادة سياسيين في تقييم قدراتهم، والإصرار على ترجيح رؤاهم وفرضها على المشهد السياسي بدل قراءته بصورة واقعية، المثلان هما كردستان العراق وكتالونيا الإسبانية اللتان شهدتا عرساً من الفرح يوم الاستفتاء على الانفصال، ويشهدان الآن أوضاعاً لا يحسدان عليها، أعادتهما إلى الوراء ربما عقوداً من السنين.

الكرد أصبحوا في مواجهة واقع مختلف في المرحلة القادمة، فليس من السهل رأب الصدع في علاقاتهم مع بغداد، وهي الأكثر أهمية ومع أنقرة ومع واشنطن الجهات الثلاث ذات الصلة الحيوية بحاضر الإقليم ومستقبله، فالعاصمتان العراقية والتركية مصرتان على إملاء شرطهما الرئيسي على الإقليم، وهو إلغاء الاستفتاء رافضتين المقترح الكردي بتجميد نتائجه، إلا أن العلاقات مع واشنطن فيها قدر كبير من الالتباس.

فقد أهمل الكرد الاستماع إلى نصائحها بتأجيل الاستفتاء الذي اعتبرته بمثابة إحراج لها وخطر على مصالحها في المنطقة في أكثر من محور، فرفع منسوب الخلاف مع بغداد إلى هذا المستوى غير المسبوق من الخطورة يضعف من الجبهة، التي تقودها الولايات المتحدة ضد الإرهاب من جانب،.

ويحرج موقفها مع أنقرة في الوقت الذي تحرص فيه على تلافي دفع العلاقات معها نحو المزيد من التردي من جانب آخر، فالإدارة الأميركية لديها بالفعل مشكلات مع تركيا بسبب دعمها لقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الكرد في سوريا، شريكتها الرئيسية في مكافحه «داعش».

كما أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وجدت في إصرار رئاسة الإقليم على إجراء الاستفتاء ما يضعف من الجهود المبذولة لمواجهة النفوذ الإيراني في العراق، فهذه الإدارة قد حددت أولوياتها الأمنية، التي تتضمن التصدي لكل من إيران وكوريا الشمالية وروسيا.

الولايات المتحدة لن تفرط بعلاقاتها مع الكرد، الذين تعتبرهم أبرز حلفائها في المنطقة سواء في سوريا أو في العراق فهي تلعب دوراً كبيراً على المستويين العسكري والتفاوضي للتقليل من خسائرهم من دون ممارسة ضغوط شديدة على حكومة بغداد التي تبني معها جسوراً من غير الممكن أن تفرط بها .

كذلك، إلا أن خبراءها الذين يعملون على مدار الساعة لاحتواء الخلاف بين بغداد وأربيل غير متفائلين حسب ما ذكرت صحيفة واشنطن بوست في عددها الصادر 4 نوفمبر الجاري.

في ضوء ذلك ليس من المتوقع أن تجري مفاوضات بين بغداد وأربيل في وقت قريب، بل سيقتصر التواصل على لقاءات بين لجان عسكرية من الطرفين للتوصل إلى اتفاقات وقتية بإشراف أميركي لمنع اندلاع القتال أو لتطويقه في حالة حدوثه.

الإقليم غير مهيأ للدخول في مفاوضات سياسية مع بغداد في الوقت الحاضر على الرغم من تلهفه، لذلك بسبب أزمته المالية والسياسية التي ازدادت سوءاً بعد إجراء الاستفتاء وسيطرة بغداد على كركوك وحقولها النفطية وعلى المناطق المتنازع على عائديتها وبعد توصلها إلى اتفاق مع أنقرة يضع قيوداً على تسويق الإقليم لنفطه ينص على عدم استقبال هذا النفط من دون موافقة شركة التسويق الاتحادية «سومو».

في هذا السياق صرح رئيس وزراء الإقليم نيجرفان بارزاني في مؤتمر صحافي في 6 نوفمبر الجاري بأن الإقليم مستعد لتسليم ملف النفط، وجميع الملفات الأخرى إلى بغداد مقابل صرف رواتب موظفي الإقليم والدخول في مفاوضات.

الإقليم يواجه صعوبات جمة في تشكيل وفد للتفاوض وهو في حالة الانقسام الشديد، التي يشهدها ناهيك عن الشروط المحتملة، التي قد تضعها بغداد على هذا الوفد بعد أن أصبح لها اليد العليا حين باتت مهيأة للتفاوض من موقع القوة.

العودة إلى التفاوض قد لا تكون حول قضية معينة بالذات بل حول علاقة جديدة بين بغداد وأربيل، صلاحيات وسلطات الإقليم ستكون على طاولة البحث، وليس من المتوقع أن تكون مخرجاتها في مستوى سقف الحقوق التي حصل عليها الإقليم بل دون ذلك ربما بكثير وقد بدت بوادرها في الموازنة المالية لعام 2018 المقدمة لمجلس النواب بعد أن أقرها مجلس الوزراء.

حيث تم تخفيض حصة الإقليم من 17% إلى 12.67% في تجاوز على مبدأ التوافق المعتمد في رسم السياسات وصياغة القرارات. التفاوض سيكون وفق الدستور وستبرز الخلافات التي طالما رُحلت على مدى سنوات بشأن تفسير العديد من المصطلحات الواردة فيه، والتي تتعلق بالنظام الفيدرالي والالتباسات الكثيرة في تفسيرها، والتي سيلجأ فيها إلى المحكمة الاتحادية وسيكون الإقليم هو الخاسر.

 

Email