وعد بلفور والمصالحة الفلسطينية

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك في العالم كله بين مراكز البحوث والمؤسسات مؤتمرات وندوات حول أربعة أحداث هامة: مرور مائة عام على وعد بلفور، مرور مائة عام - منذ عام - على اتفاقية سايكس بيكو، مرور سبعين عاماً على قرار التقسيم، وخمسين عاماً على حرب يونيو.

هي كلها أربع علامات على طريق الصراع العربي الإسرائيلي تشهد بحالة فريدة من الإخفاق العربي والفلسطيني أولاً في منع قيام الدولة العبرية، وثانياً منع استمرارها قوية وقادرة على استيعاب مهاجرين من كل أنحاء العالم والصعود في سلم الدول المتقدمة في الدنيا، وثالثاً في منعها من التمدد لكي تتحول من دولة صغيرة لا تتعدى مساحتها ٢٠ ألف كيلومتر مربع ولا تحتوي إلا على ثلاثة ملايين نسمة من اليهود إلى أكثر من ضعف هذا العدد من السكان وعلى مساحة وصلت إلى قرابة ٩٠ ألف كيلومتر مربع.

النصر العربي الكبير كان في استعادة الأراضي المصرية والأردنية المحتلة، ولا تزال فلسطين والمرتفعات السورية تحت الاحتلال، أما مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية فهي تحت السيطرة والهيمنة الإسرائيلية.

لم يكن وعد بلفور واحدة فقط من الألعاب البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى، فقد سبقتها لعبة أخرى هي اتفاق سايكس بيكو الذي كان لعبة بريطانية فرنسية، وما بين ذلك وبعده كانت هناك وعود للأرمن واليونانيين بقطع مختلفة القياس من لحم الإمبراطورية العثمانية.

ومن بين كل هذه الأحداث والوعود فإن تريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية احتفلت احتفالاً عظيماً بوعد بلفور ليس لأنها «صهيونية» أو أنها عميلة للوبي اليهودي من نوع وآخر، ولكنها، ومن وجهة نظرها ونظر المصالح البريطانية وجدت في المشروع الصهيوني ما يستحق المراهنة.

وبعد قرن من الوعد الذي منحه من لا يملك لمن لا يستحق على حد تعبير عبد الناصر في رسالته إلى كنيدي في مطلع الستينيات، فإنه بغض النظر عن الواعد والموعود كان حقيقة قائمة على الأرض.

لم يكن وعد بلفور سراً على أحد فقد جرى تبنيه من قبل عصبة الأمم، ولكن الصهاينة أخذوه مأخذ الجد وعرفوا منذ البداية أن الوعود لا تنفذ نفسها، فانشغلوا بتذليل موجات الهجرة إلى فلسطين، وإقامة المؤسسات على الأرض من أول الجامعة العبرية ومركز التخنيون، إلى نقابات العمال، إلى الأحزاب السياسية، إلى البناء الاقتصادي والتكنولوجي، وعاماً بعد عام جرى بناء الدولة قبل أن تقوم.

الفلسطينيون على الجانب جرت المائة عام عليهم في الشقاق والصراع والمنافسة غير الصحية.

في البداية كانت بين العائلات (النشاشيبي والحسيني) وكانت كلها عمن هم الأكثر وطنية ودفاعاً عن فلسطين. وفي وقت من الأوقات كان الصراع بين فتح من ناحية وجبهات مختلفة النوع بين الناصرية والماركسية من الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، حتى استقر الحال لكي يكون الانقسام بين فتح وحماس الذي قسم الكيان الفلسطيني خلال السنوات العشر الأخيرة إلى كيانين منفصلين.

قبل ذلك كان الانقسام بين فتح التي تحاول استعادة الممكن من أرض فلسطين لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عليها، بينما تحاول حماس بكل الطرق إفساد ما تفعله فتح بالقيام بعمليات عسكرية وانتحارية أحياناً لكي تنهار المفاوضات.

وبعد مائة عام من الوعد وسبعين عاماً من قرار التقسيم وخمسين عاماً من احتلال إسرائيل لكل الأرض الفلسطينية فإن دولة فلسطينية لم تقم بعد.

الغريب أن عمليات المصالحة ولمّ الشمل الفلسطيني تلقى مقاومة كبيرة من عناصر فلسطينية مختلفة.

المصالحة الأخيرة اجتهدت مصر فيها ونجحت في النهاية في دفع الجانبين في فتح وحماس للجلوس معاً والعمل على عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل انفصال غزة تحت العباءة الحمساوية.

وخطوة بعد خطوة فإن الأوضاع الفلسطينية بدأت في أن تكون واعدة بانتخابات قادمة، وصيغة يمكن من خلالها استئناف المفاوضات مع إسرائيل، وباختصار إقامة حقائق، فلسطينية هذه المرة، على الأرض.

جبهة الجهاد الإسلامي أبت إلا أن تضرب «كرسياً في الكلوب» بنفس طريقة حماس من قبل عندما حاولت عناصر منها التسلل إلى إسرائيل من خلال أنفاق اكتشفتها إسرائيل وكانت النتيجة وفاة سبعة فلسطينيين.

في الماضي كانت هذه الخطوة تعني غزواً للقطاع أو غارات مستمرة عليه، ولكن إسرائيل لا تريد التصعيد لأنها سوف تنتظر نتيجة الجهود المصرية التي تبذل الغالي والنفيس من أجل إنقاذ قطاع غزة وعودة مفاوضات السلام إلى مسارها الصحيح.

مثل ذلك ليس مستحيلاً، ولكن المستحيل لا يتحقق دون تعاون الأطراف الفلسطينية المختلفة في إقامة دولة فلسطينية حقيقية يكون لها كامل السيطرة على السلاح الفلسطيني واستخداماته. من يريد إقامة حزب الله أو أحزاب لله في فلسطين يأخذ القضية الفلسطينية إلى ما كانت عليه طوال قرن مضى، أي إلى إخفاق آخر!.

Email