الإرهاب العالمي من منظور أوروبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحتل الإرهاب حيزاً كبيراً في الأمن الدولي، وليس من المبالغة القول: إن الإرهاب أصبح من الأهمية بمكان يوازي الحروب أو سباق التسلح أو حركات التحرر والقضايا الأمنية الكبرى في العلاقات الدولية، والسبب يعود إلى تفشي الظاهرة من ناحية ومن ناحية أخرى الاهتمام الإعلامي بهذه الظاهرة.

وقد أصبح من الضروري دراسة هذه الظاهرة بشكل موضوعي وعلمي لمعرفة أسبابها وتداعياتها على العالم. وقد أسست مراكز بحوث ودراسات حول ظاهرتي التطرف والإرهاب. ومن بين هذه المراكز مركز مكافحة الإرهاب الدولي في لاهاي وبرنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن والمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية والذين قاموا مؤخراً بنشر تقرير بعنوان «خاف من جارك: التطرف والهجمات الجهادية في الغرب».

ويحاول التقرير تمحيص ظاهرة الإرهاب التي ضربت أوروبا وأميركا في خلال السنوات الأخيرة. ويرى التقرير أن هذه التطورات في السنوات الثلاث الأخيرة مردها إلى النجاح العسكري الباهر لداعش وتأسيس الخلافة المزعومة، وبالتالي اجتذاب أعداد من الأوروبيين إلى صفوفها.

ويسعى التقرير إلى دراسة موثقة بالإحصاءات لفهم وتحليل ارتفاع وتيرة الإرهاب مع الظهور القوي لداعش في العراق وسوريا. وقد حددت الدراسة 51 حالة من الهجوم الإرهابي في أوروبا وأميركا منذ تأسيس ما اسمته داعش دولة الخلافة إلى غاية الآن في 2017. وقد تسببت هذه الهجمات بسقوط أعداد كبيرة من الضحايا وخاصة الهجوم في باريس في 2015، وقد تنوعت هذه الهجمات من ناحية الحجم والخسائر والتنظيم.

ومن الأشياء التي خلص إليها التقرير أن 65 من المنخرطين في الواحد وخمسين عملية الإرهابية يأتون من خلفيات متنوعة وليس هناك من نمط معين يجمع بينهم، فهم من خلفيات اجتماعية وفئات عمرية متنوعة، وقد لخص التقرير الخلاصات في عدة نقاط تتمثل في: أن عدد الدول التي حصل فيها العمليات الإرهابية كانت محدودة نسبياً، حيث يصل عددها إلى ثماني دول فقط. وكان نصيب فرنسا الأكبر حيث حصلت 17 عملية إرهابية يليها الولايات المتحدة وقد وصل عدد العمليات فيها إلى 16، ثم ألمانيا ست عمليات، وبريطانيا أربع عمليات، وبلجيكا ثلاث عمليات، وكندا ثلاث أيضاً، بينما كان نصيب الدنمارك والسويد واحدة لكل منهما.

وقد تسببت هذه العمليات في مصرع 359 شخصاً وجرح نحو 1549 معظمهم من الفرنسيين حيث وقع 239 قتيلاً، وتليهم الولايات المتحدة والتي وصلوا فيها إلى 76 ضحية، بواقع متوسط 7,7 لكل عملية إرهابية.

ورغم أن هناك اعتقاداً سائداً بين مرتكبي العمليات الإرهابية من صغار السن إلا أن التقرير يوضح أن متوسط العمر لمرتكبي الأعمال الإرهابية هو 27,3 سنة، وأن نحو الثلث كانت أعمارهم فوق الثلاثين. وخمسة فقط من مرتكبي هذه الأعمال يمكن تصنيفهم من الأحداث. ورغم أن المنظمات الإرهابية تحاول أن تستقطب العنصر النسائي إلى صفوفها إلا أن 3% فقط من النساء اشتركن في العمليات الإرهابية.

والنقطة الأهم في التقرير هو خلفية مرتكبي الأعمال الإرهابية. وبعكس ما يشاع فإن نحو 73% من مرتكبي أعمال الإرهاب هم من مواطني هذه البلدان وليسوا لاجئين. 5% فقط كانوا من اللاجئين أو طالبي اللجوء، و14% من مرتكبي الأعمال الإرهابية كانوا من المقيمين الشرعيين في البلاد، و6% من المشاركين في الأعمال الإرهابية كانوا من المقيمين بطرق غير قانونية، أي أن رفض استقبال اللاجئين بحجة الإرهاب لا تسندها الأدلة الفعلية.

ويكشف التقرير عن حقائق مهمة حول الإرهابيين، فعلى سبيل المثال، نحو 17% من مرتكبي الإرهاب هم حديثو عهد بالإسلام، ونحو 57% من الإرهابيين هم أصحاب سوابق إجرامية، و18% فقط من الإرهابيين هم من المقاتلين الأجانب، و42% من هؤلاء هم من لهم اتصالات عملياتية بتنظيمات إرهابية، و63% من المهاجمين اقسموا الولاء لتنظيمات جهادية.

ومن الأمور المهمة التي يشير إليها التقرير هو أن 8% فقط من العمليات الإرهابية كانت بأوامر مباشرة من قيادات داعش، ولكن الذين تأثروا بدعاية التنظيم نحو 26%، أما معظم الأعمال الإرهابية، أي نحو 66%، قام بها أفراد بشكل مستقل، ولكن على تواصل مع داعش أو تنظيمات جهادية أخرى.

وفي الحديث عن الإرهاب، غالباً ما تثار قضية الاندماج بين المهاجرين والمجتمعات الغربية، التي هاجر إليها هؤلاء الناس، فقد اعتقد البعض أن الاندماج هو ترياق الإرهاب، فكلما اندمج المهاجر في مجتمعه انحسرت فرص تطرفه، ولكن التقرير يخالف الرأي، حيث وجد أن العمليات الإرهابية هي أقل في جنوب أوروبا حيث الاندماج هو الأدنى. وحتى داخل القطر الواحد نجد هناك اختلافاً في استقطاب داعش لكوادرها.

وحسب ما جاء في التقرير فإن تفسير الفوارق مرده إلى وجود مراكز استقطاب في هذه البلدان يسميها التقرير «النقاط الساخنة». وتتشكل هذه النقاط، التي تجند العديد من الأشخاص حول تيارات سلفية جهادية أو شخصيات كرازمتية أو مراكز إسلامية تبث التطرف. والتقرير لا ينكر العوامل الاجتماعية والاقتصادية في تفسير ظاهرة التطرف والإرهاب، إلا أن التقرير يرى أهمية هذه النقاط الساخنة المتسببة بزيادة العمليات الإرهابية.

Email