مصر والبناء في صمت

ت + ت - الحجم الطبيعي

يوما بعد يوم يظهر للقاصي والداني الدور المصري البناء في كافة الميادين، ففي الداخل تنهض المشروعات المؤسسة للخروج من حالة الجمود والاكتفاء بالاستهلاك اليومي إلى آفاق مستقبل الأجيال المقبلة، وأصبح تجسيد هذه المشروعات نافيا نفيا عمليا، كافة الادعاءات والإشاعات المغرضة وحملات التشكيك الرهيبة.. فها هي العاصمة الإدارية والتي، إلى جانب ما يتصل بها من آمال بالاستثمار والرخاء، قد ازدادت رقعة مؤيدي إقامتها كلما تفاقمت معاناتهم جراء ازدحام القاهرة الكبرى والفوضى المرورية المفزعة بكل ما تخلفه من ضحايا حتى بتنا نتصدر، للأسف، قائمة الدول من حيث عدد ضحايا الطرق..

ويشاهد المصريون جهود توفير المساكن الآدمية لسكان العشوائيات وبذل جهود جدية في التوسع في المصانع والصناعات الصغيرة والمتوسطة، حتى ننتقل من خانة الاستهلاك إلى فصيل الدول المنتجة، وعملا بمبدأ، إن من لا يملك قوت يومه .. لا يملك حرية قراره..

المراجعة متواصلة وبوتيرة ثورية لإصلاح منظومات عديدة، تفسخت أو علاها الصدأ، نتيجة الإهمال والتسيب والفساد، وخاصة منظومة التعليم .. وبقدر شديد من الأهمية، تصويب الخطاب الديني بما يعلي القيم الإسلامية النبيلة ومن أهمها العدالة الاجتماعية ونذكر بما قاله أحد ملوك الغرب عن سيدنا عمر ابن الخطاب، عندما رآه خالدا للنوم في ظل شجرة "حكمت، فعدلت، فأمنت، فنمت يا عمر"، أن العدالة الاجتماعية هي الحصن الحقيقي والأقوى ضد كل مؤامرات الأعداء..

وما سوف يسجله التاريخ لمصر، هو وقوفها بقوة وكفاءة، ليست بعيدة عن مسارها التاريخي، في وجه مخطط تفتيت الوطن العربي إلى دويلات عرقية وطائفية، وهو مشروع أميركي لا اعتقد أن أحدا يجهله الآن.. فقد نشط الأعداء في تنفيذ المشروع الشيطاني، على كافة الأصعدة، وأخذوا يمدون بالسلاح والتمويل المقاتلين المرتزقة فيما سُمي "بالربيع العربي !"، والذي تجلى في تشريد الملايين في عدد من الدول العربية، مثل ليبيا وسوريا والعراق واليمن وغيرها..

ونعرف جميعا كيف كان حال العراق، قبل الغزو الأميركي المدمر لبلاد الرافدين تحت الشعار الخادع الخبيث وهو إقامة الديمقراطية!! لا أفهم حتى اليوم كيف لم يتنبه الحكام العرب إلى خطورة قرار تسريح الجيش العراقي بقرار الحاكم الأميركي بول بريمر، وكيف لم يفطن حكام المنطقة إلى استهداف الجيوش العربية بحيث يصبح الوطن العربي مستباحا أمام أي عدو. وبالطبع كانت دعاوى الفرقة الطائفية وقود حروب التخريب التي جرت، ولن أنسى أن الدستور العراقي الذي صاغه أميركي يهودي، كان يحمل في طياته بذور التقسيم وتحت دعوى خبيثة، هي المحاصصة ومن ثم توزيع الثروات على "الشيعة والسنة والأكراد!!"

ونفس المنهج اتبع في سوريا وكأنهم استيقظوا بعد مئات السنين على وجود عقائد دينية مختلفة، وفي ليبيا كان السلاح المسموم، التفرقة بين القبائل .. ولا شك أن مساعدة عملاء الداخل لتنفيذ مخطط التفتيت، أتت بعض ثمارها، ولكنها اصطدمت في مصر، مثلها مثل كل من سبقها بشعار.، فرق تسد، بشعب اتضح أن فك شفرته من رابع المستحيلات.. وانطلاقا من تحطم كافة المؤامرات والمخططات على صخرة الوحدة الوطنية المصرية، جاهدت القيادة في ترميم الشروخ، بل والكسور العربية، وتظهر، نتائج جهود البناء في مواجهة جهود الهدم، في ليبيا حيث تساعد مصر في رأب الصدع بين القبائل وإعادة مؤسسات الدولة، ثم في العراق الشقيق، والدور المصري في مساعدته، ومساعدة سوريا الحبيبة.

وكان فصل المصالحة الفلسطينية، التي ندعو من الأعماق أن تستمر وتترسخ لتعود القضية الفلسطينية إلى مقدمة الاهتمام بعد أن شتت انقسام جناحي فتح وحماس هذا الاهتمام.. مصر الآن تقوم بدورها المعهود على مر التاريخ، تقوم بالبناء، في مواجهة قوى الهدم التي أصابها سعار مفزع.. ولكن لا بد أن نعي جميعا أن الدور المصري في توحيد القوى العربية قد جر عليها ويلات منذ محمد على مرورا بعبد الناصر ووصولا إلى السيسي.. ولذا سوف تزداد جهود الأعداء، في الداخل والخارج، سعيرا، والأمل أن نكون جميعا في أقصى درجات اليقظة.

Email