العبودية وضياع الهوية القطرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن تنظيم الحمدين لم يدرك على الإطلاق رؤية «العهد الجديد» في الخليج، وما كنّا نظنّه نوعاً من المكابرة في الهروب إلى أحضان الفرس والأتراك والاستقواء ببعض النفوذ والصحف الأميركية واللعب على الحبلين تبين أنه في النهاية مجرد خضوع مطلق للعبودية السياسية التي أضاعت الهوية القطرية منذ عشرين عاماً وحتى هذه اللحظة. واضح اليوم، وضوح الشمس.

وبعد سلسلة من التغييرات الجذرية التي بدأت منذ انطلاق التصحيح السياسي في مصر وإزاحة إرهاب الإخوان من واجهة الأمة وحتى زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، حفظه الله ورعاه، إلى روسيا، أن الأمة بدأت تحكم نفسها بنفسها، وأنها ليست بحاجة إلى من تتكئ عليه، ولا من تتظلل بظله، ولكن الدوحة أبت أن تفهم كل ذلك.

بات في حكم المؤكد، أن عبودية قطر قد دفعتها أن تكون الممول الرئيسي للإرهاب والمسؤول الوحيد عن تأجيج الثورات والانقلابات، كما حاولت أن تفعل في ليبيا وتونس ومصر واليمن وسوريا ولعبت دوراً كبيراً في تعقيد معظم القضايا في المنطقة، خاصة العبث بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي لمدة عشرين عاماً على حساب القضية الفلسطينية وسبل حلها وتوسيع الهوة بين فتح وحماس لمدة 12 عاماً، فكيف ومتى حدث ذلك؟

زمن العبودية القطرية الأولى، بدأ مع بداية تنظيم الحمدين، في العام 1995، حين خضعت قطر وتبنت الأجندة الإسرائيلية وحلم «إسرائيل الكبرى» فأصبحت الوكيل الرسمي لتنفيذ الانقسامات الداخلية وزعزعة أمن واستقرار المنطقة بطريقة سرية أحياناً أو علنية حين أطلقت قناة الجزيرة التي لم تتوقف يوماً عن استضافة المسؤولين الإسرائيليين للترويج لأفكارهم ومخططاتهم وأهدافهم ولتبرير حروبهم ومعاركهم الدموية ضد الشعب الفلسطيني.

في عهد العبودية الأولى ركض تنظيم الحمدين إلى أميركا وظن أن في عبوديته المطلقة لها سوف يحافظ تنظيم الحمدين على كراسي الحكم الهشة، وعلى الوجود القطري، فراحت الدوحة تغذي الانقلابات والانقسامات ويتفنن المدعو عزمي بشارة، مستشار تنظيم الحمدين، صاحب الفكرة، بتغذية الفتن الطائفية الدينية والسياسية والعرقية.

وحرص تنظيم الحمدين على زعزعة أمن البحرين ومصر وسخر كامل طاقته المادية واللوجستية، محاولاً المساس بأمن واستقرار السعودية والإمارات والكويت باحتضان المرتزقة المعارضين!

حين فشل تنظيم الحمدين، كما لاحظنا، وتصدى رجال الخليج الشرفاء لمخططات التنظيم، تنحى دون أن يتنحى ووضع أمير قطر الحالي في الواجهة، فظن الناس أن الأمير الشاب سوف يتخلص من العبودية الأولى، وسوف يستيقظ على حجم الخراب الذي استوطن في أحشاء الدوحة ولكن هيهات، رأينا جميعاً كيف تفاقمت الهوية القطرية وتأزمت بسبب التناقضات الهائلة في ولاء الدوحة لأميركا مرة ولإسرائيل مرة أخرى وللتنظيمات الإرهابية على طول الخط.

في زمن تنظيم الحمدين لم يتم تحديد المصالح القطرية الجوهرية على الإطلاق، سواء تلك المتعلقة ببناء كيان قطري كجزء من نسيج الأمة كاملة أو من الجسد الخليجي الفتي المترابط، وكذلك بإظهار وجه واحد عالمي شأنها شأن أي دولة أخرى، فباتت قطر بلا هوية ولا شخصية، وحين جاء أمير قطر الحالي لم يواجه فقدان الهوية بل ساهم في تعزيز تشتيتها وضياعها وربطها مع الأميركان أولاً ثم إيران وتركيا وكأنه يتقصد محوها إلى الأبد.

واجه ضياع الهوية القطرية، على أرض الواقع، فشلاً ذريعاً على المستويين الداخلي والخارجي، وحين التصقت بالإخوان، بدا وكأن قطر واقفة في مهب الريح، ليست مع هؤلاء ولا هؤلاء، وبدت أيضاً أنها مع الجميع ضد الجميع، فأصبح منطقياً أن تتحول الدوحة كلياً من الشخصية الاعتبارية التي يفترض أن تكون عليها إلى العبودية المفزعة لهؤلاء وهؤلاء، ونقصد بالطبع عبوديتها المعلنة حالياً لإيران وتركيا، ولاة أمرها الجدد!

من العبودية الأولى وحتى الأخيرة، تاهت قطر الشقيقة بين أقدام سادة لا يحق لهم أن يكونوا سادة لدولة عربية، ويدرك الشرفاء في قطر ذلك ويدركون أن عباءة سلمان الدافئة هي وحدها التي تحررهم من العبودية وتعيد لهم حريتهم واستقلالهم ومكانتهم الأصيلة في صدر البيت العربي والخليجي أعزة أحراراً، سادة لا عبيداً.

 

Email