طريق العراق لهزيمة التقسيم وإسقاط الطائفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس واضحاً حتى الآن، ما الذي اعتمد عليه مسعود البرزاني وهو يقود أكراد العراق إلى «مغامرة» استفتاء الانفصال، ويقود مكونات العراق المتعددة من عرب وتركمان وأكراد وغيرهم، إلى أزمة جديدة تهدد وجود العراق، وتفتح أبواب جحيم جديدة على أهله. كما تقود المنطقة كلها إلى صراع جديد وخطير، مع فتح أبواب تفكيك الدول وهدم استقرارها؟!

ربما كان البرزاني يراهن على خطوات تمت في ظل الدستور العراقي الحالي، وأدت إلى تثبيت أركان الحكم الذاتي الذي تمتع به إقليم كردستان العراق. وربما زادت طموحات الرجل الذي كان يعاني أزمات داخلية مع باقي الفرقاء في الإقليم، مع تنامي الدعم الأميركي لقوات «البشمركة»، والاعتماد عليها في الحرب ضد «داعش»، وغض البصر عن توسع الوجود الكردي في المناطق المتنازع عليها، وأهمها «كركوك»، انتظاراً للانتهاء من الدواعش قبل أي شيء.

ربما اعتمد الرجل على علاقة توطدت مع الأتراك، في الاستثمار التركي، أو تصدير البترول من موانيها، أو وجود النقاط العسكرية التركية داخل كردستان العراق لمراقبة تحركات المتمردين من أكراد تركيا، أو بطموحاتهم في أن ينالوا ما كان يتمتع به أكراد العراق من حكم ذاتي على الأقل.

وربما تلقى الرجل إشارات مشجعة من وراء ستار، خاصة من إيران، لكي يمضي في طريقه، لتكون الدعوة لانفصال كردستان العراق، مبرراً لتزايد النفوذ الإيراني في العراق، ولوأد المطالبات بتحجيم دور التحالف الشعبي، والاستعداد، بعد التخلص من الدواعش، لمرحلة جديدة يكون فيها للعراق جيش واحد، لا يدين بالولاء إلا للدولة، ولا يسمح بوجود مليشيات طائفية أو مذهبية تعود بالبلاد إلى جحيم الحرب الأهلية.

أياً كان الأمر، فقد تم الاستفتاء، ثم وجد البرزاني نفسه وحيداً «في العلن على الأقل!!»، لا يحظى إلا بتأييد إسرائيل وحدها. ووجد كل الأطراف الإقليمية والدولية تترك خلافاتها لتعلن موقفاً معارضاً للخطوة الكردية.

الآن. وبعد أن تم الاستفتاء، ووضحت ردود الأفعال، ودخل العراق في أزمة خطيرة، وأدخل المنطقة كلها معه. على البرزاني أن يدرك أن حساباته لم تكن دقيقة، وعليه أن يدرك ما كان ينبغي أن يدركه من البداية.. وهو أن العراق «تحت أي قيادة»، لا يمكن أن يخضع لخطوة منفردة تقود حتماً لتفكيك العراق.

وأن المنطقة كلها لا تتحمل عبء فتح طريق التقسيم، وأن العالم المشغول بتوحيد الصفوف لوأد الإرهاب، لن يمنح هذا الإرهاب رئة جديدة للتنفس بالانشغال عنه بمغامرات تحاول حصد المكاسب، فتقود إلى المزيد من الفوضى والدمار!

وعلى الجانب الآخر، فإن السلطة المركزية في بغداد، تخوض معركتها الحاسمة للحفاظ على وحدة الدولة، في نفس الوقت الذي تواصل حملة استئصال الدواعش.

والحسم هنا مطلوب بلا شك، ويحظى بتأييد واسع من كل الأطراف، ومع ذلك، فإن على السلطة المركزية أن تحافظ على نهجها العقلاني في التعامل مع الأزمة، وأن تلتزم بالحذر من أطراف ترى مصلحتها في صب المزيد من الزيت على النيران، وفي جر العراق المنهك إلى حروب جديدة، تكرس الصراعات المذهبية والعرقية. المطلوب الآن، مع كل الحسم في مواجهة الانفصال، أن تظل هناك أبواب مفتوحة للتراجع الذي يحفظ مصالح العراق الموحد، ويضمن كرامة الجميع.

والمطلوب الآن أن تعود الثقة المفقودة، وأن تتبدد المخاوف من سيطرة فصيل واحد على مصير العراق، محتمياً بنفوذ السلطة في الداخل أو قوة الداعمين في الخارج.

عبور أزمة «استفتاء الانفصال» لن تكون بالحديث عن إلغاء نتائجه فهو، من الناحية القانونية، لا يفرض شيئاً على الدولة، لكن عبور الأزمة يكون بفرض الدولة العراقية المدنية الموحدة، التي لا تخضع لفصيل يتحرك في ظل النفوذ الإيراني، ليستحوذ على كل شيء.

والذي كان سلوكه الطائفي قبل ذلك سبباً في ظهور الدواعش، وكان اليوم سبباً في زيادة المخاوف لدى المواطنين الأكراد، وكانت مغامرة «الاستفتاء» التي وضعت العراق والمنطقة أمام هذا الوضع الخطير. الجميع الآن يدعم وحدة العراق، ويدرك مخاطر الانفصال والكارثة، التي يمكن أن تغمر المنطقة إذا انفتح باب التقسيم من بوابة كردستان العراق.

الجميع مع وحدة العراق، فليكن الجميع في العراق الشقيق مع دولتهم الموحدة، والتي تضمن حقوق المواطنة للجميع، بعيداً عن الانقسامات الطائفية والمذهبية والعرقية. نفوذ الحرس الثوري الإيراني جاء قبل ذلك بالدواعش، ويجر البلاد الآن إلى التقسيم. الجميع الآن مع وحدة العراق. فليكن العراق لكل أبنائه.

* كاتب مصري

Email