طريق الوحدة الوطنية يمر عبر مصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

عقد من الزمن، استغرقه الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، وقد يبدو للوهلة الأولى أن هذه الفترة تبدو ضئيلة، إذا ما قورنت بعمر القضية الفلسطينية، الذي تجاوز المئة عام، إذا ما أخذنا في الاعتبار بدء حركة الاستيطان اليهودي في فلسطين في نهاية القرن التاسع عشر وبعد مؤتمر بازل بسويسرا عام 1897، هذا المنظور الذي يقلل من أهمية فترة الانقسام ربما يرتكز في الوعي أو اللاوعي على القاعدة شبه الراسخة في وعي وضمير الكثيرين من أعضاء النخب الفلسطينية والعربية من كافة التيارات، ألا وهي أن الزمن عموماً لصالح القضية الفلسطينية، نظراً لعدالتها وطبيعتها الأخلاقية والحقوق التي رافقتها، ويستند هذا المنظور إلى بعض الوقائع التاريخية خاصة احتلال الصليبيين لبيت المقدس الذي طال أمده ولكنه انتهى إلى زوال.

وضعت القاهرة نصب أعينها مهمة إنهاء الانقسام وجَسر الهوة بين الفريقين الفلسطينيين، وأن إنجاز هذه المهمة هو حجر الزاوية في اتجاه استئناف عملية السلام وفق مرجعياتها الدولية، حرصت مصر خلال العامين الماضيين على التواصل والحوار مع كافة الأطراف مثقفين وإعلاميين ورجال أعمال فلسطينيين من غزة ومن خارجها بهدف تمهيد الأرض للانطلاق نحو المصالحة.

وعزز من ذلك اكتشاف الأطراف الفلسطينية لطبيعة الدور المصري ورد الاعتبار لهذا الدور، لأن الأطراف الإقليمية الأخرى سواء تعلق الأمر بقطر أو بإيران أو بتركيا، لا تعدو القضية الفلسطينية في نظرها بالرغم من الشعارات البراقة أن تكون مجرد ورقة لتعزيز النفوذ الإقليمي والاستحواذ على القبول العربي والشعبي، ومن ثم فهذه الأدوار المرتبطة بهذه الأطراف أدوار تكتيكية وبراجماتية ونفعية، بعكس الدور المصري المرتكز على المبادئ والأخلاق والتقدير السليم لآمال وتطلعات الشعب الفلسطيني، فالقضية الفلسطينية بالنسبة لمصر هي قضية ترتبط بالأمن القومي والجغرافيا والتاريخ وفي صلب التوجهات المصرية الخارجية، كما أنها أي هذه القضية ليست مجرد ورقة تفاوضية أو تكتيكية بل تمثل توجهاً استراتيجياً وتاريخياً لا يمكن التخلي عنه في كل الظروف حتى ولو كانت صعبة.

بيد أن إعلان القاهرة لا يعدو أن يكون أول نقطة في طريق طويل لإنهاء الانقسام، حيث لا يكفي الإعلان، بل ينبغي أن يترجم إلى مواقف عملية تتميز بالحكمة والقدرة على استيعاب الدروس التاريخية والنظرة المستقبلية للمصلحة الوطنية الفلسطينية العليا في التحرير والدولة.

الاتفاقيات التي عقدت بين الطرفين عديدة، ولكنها جميعاً تضمنت ملامح الطريق الذي ينبغي أن تسلكه الأطراف كافة لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وإعادة اللحمة الوطنية إلى طبيعتها وفاعليتها الأولى، ولكنها توقفت ولم تتحول إلى مواقف عملية ملموسة.

ولا شك أن القدرة على تحقيق الأهداف والشعارات المضمنة يتطلب روحية جديدة وبناءة وتقليص الروح الأيديولوجية التي تغلف المواقف وتغليب الانتماء الوطني وتعبر عن المعاناة اليومية في ظل الاحتلال للشعب الفلسطيني بكل فئاته.

عديدة هي المشكلات التي تعترض طريق الوحدة الوطنية الفلسطينية، ولكنها على أهميتها لا تستعصي على الحل إذا ما توافرت النوايا الحسنة والصادقة واستعداد كافة الأطراف لتحمل مسؤولياتها التاريخية في هذه اللحظة الفارقة في تاريخ القضية الفلسطينية.

ففي مقدمة هذه المشكلات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية والاتفاق على برنامج عملها، وهل هذا البرنامج سوف يكون برنامج منظمة التحرير الفلسطينية أو ينبغي تعديله وهي نقطة حاسمة، لأن الضغوط الإسرائيلية طوال الفترة الماضية وصعود اليمين القومي والمتطرف والديني في إسرائيل جعل حصيلة كل الخيارات الفلسطينية، سواء المفاوضات أو المقاومة صفراً ودفع الشعب الفلسطيني ثمن تعثر هذه الخيارات والسؤال الآن ما العمل؟ ومن بين الإجابات الممكنة لهذا السؤال ربما يكون إعادة هيكلة المشروع الوطني الفلسطيني وتشكيل المؤسسات ووضع استراتيجية عمل جديدة تتحدد ملامحها على ضوء الدراسة المستفيضة للواقع الفلسطيني والظروف الإقليمية والدولة والمتغيرات والمعطيات الجديدة، والمهم في ذلك أن تكون هذه الاستراتيجية موضع إجماع وطني من كافة الفصائل الفاعلة في المشهد الفلسطيني والاتفاق حول أهدافها ووسائلها وغاياتها، بحيث تكون شاملة توجه كافة الفاعليات الفلسطينية.

باختصار فإن الطريق إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية لا يزال طويلاً، ولكنه مفتوح للسير فيه بجهود جميع الأطراف الفلسطينية والجهود المصرية.

* كاتب ومحلل سياسي مصري

Email