في ذكرى صبرا وشاتيلا

ت + ت - الحجم الطبيعي

أفاق العالم صبيحة 18 من سبتمبر 1982، على مجزرة شنيعة ارتكبت ضد المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين، والتي أدت إلى وقوع مئات الضحايا من النساء والرجال والأطفال. وقد استمرت المذبحة من 16-18 يونيو، دونما تدخل من أحد لمنع الجريمة وإنقاذ أبناء المخيمين، صبرا وشاتيلا، من الهلاك المحقق.

وتعود خلفية الموضوع إلى الغزو الإسرائيلي للبنان في 6 يونيو من ذلك العام. والسبب المباشر للحرب، كان محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي شلومو أرجوف من قبل جماعة أبو نضال في لندن. ويقول الكاتبان الإسرائيليان زئيف شيف وإيهود يعاري في كتابهما «حرب إسرائيل على لبنان» (1984)، إن المخابرات الإسرائيلية أبلغت رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، بأن محاولة الاغتيال ليست من منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن من جماعة أبو نضال. وحسب ما جاء في الكتاب، فإن بيغن رد رداً اتسم بالسخرية، بأن ليس هناك فرق بين أبو نضال أو أبو شميدال، وأن كلهم منظمة التحرير، وعلينا ضربهم.

ويرى الكاتبان أن العملية برمتها، عبارة عن شرك نصب لمنظمة التحرير الفلسطينية لإجلائها من لبنان، ليس بسبب التهديد الأمني الذي تمثله، خاصة على المستوطنات الشمالية، بل لأسباب استراتيجية تقتضي القضاء على منظمة التحرير، وإعطاء فرصة لقيادة جديدة في الضفة وقطاع غرة المحتلتين للقبول بحلول تراعي أكثر المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية. ودفع لبنان تحت قيادة مهادنة لإسرائيل، بتوقيع اتفاق سلام معها.

ويقول أفي شلايم، المؤرخ الإسرائيلي، العراقي الأصل، الأستاذ بجامعة أكسفورد، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بيغن، عرض الخطة الكبرى لاحتلال لبنان، ولكن مجلس الوزراء لم يوافق عليها. وأساس الخطة الكبرى هي، حسب ما أشار مصدر إلى كتاب أستاذ العلوم السياسية الإسرائيلي، زئيف معوز، تنفيذ الهدف الاستراتيجي للقضاء على منظمة التحرير وبنيتها التحتية في لبنان، وإخضاع لبنان لقيادة بشير الجميل، وتوقيع اتفاقية سلام معها، وإخراج القوات السورية من لبنان.

وبالفعل، قامت إسرائيل بضربة عسكرية هدفها استفزاز المنظمة للقيام بالمثل. وهذا ما حصل، عندما قامت القوات الفلسطينية بالرد على إسرائيل. ولم تقف الخديعة إلى هذا الحد، بل إن وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون، وبالاتفاق مع رئيس الأركان، رفائيل إيتان، حدد هدفين، أحدهما معلن لمجلس الوزراء، وهو إخراج القوات الفلسطينية من الجنوب بمسافة 40 كلم إلى نهر الليطاني، والتي هي مدى الصواريخ الفلسطينية. وهدف خفي ينفذ الخطة الكبرى، التي رفضت من قبل مجلس الوزراء، على مراحل.

وكان لشارون وإيتان ما تمناه. ووصلت القوات الإسرائيلية إلى تخوم بيروت، حيث حاصرت منظمة التحرير في بيروت الغربية. واستمر الحصار من 14 يونيو إلى 12 أغسطس، حين توصل الأطراف إلى اتفاق بوساطة أميركية، يخلى فيها المقاتلون الفلسطينيون إلى عدة دول عربية. وحسب ما جاء في مقالة المؤرخ الفلسطيني المميز، رشيد الخالدي، والذي كان حينها في بيروت، وقريباً من الأحداث الجارية، أن مبعوث الرئيس الأميركي فيليب حبيب، تعهد للحكومة اللبنانية بضمان سلامة الأهالي الفلسطينيين المقيمين في لبنان، وأن الولايات المتحدة قد حصلت على ضمانات من حكومة إسرائيل ومن الجماعات اللبنانية المناوئة للفلسطينيين، لعدم التعرض للفلسطينيين المسالمين.

وتنفيذاً للخطة الإسرائيلية الكبرى، فقد دعمت الأخيرة انتخاب بشير الجميل رئيساً للبنان. وحسب ما جاء في كتاب شيف ويعاري، فإن شارون أخذ تعهداً من بشير أن بعد انتخابه رئيساً، سيكون الرئيس العربي الثاني الذي يعترف بإسرائيل، ويوقع على اتفاقية سلام، كما فعل الرئيس أنور السادات. ولكن حبيب الشرتوني، الماروني، والعضو في الحزب القومي السوري، كان لهما بالمرصاد. فقد فجر الشرتوني (يقال بإيعاز من المخابرات السورية)، بعبوة ناسفة في مقر حزب الكتائب، وأودى بحياة بشير الجميل، الرئيس المنتخب للبنان.

وبذريعة حماية المدنيين من انتقام الكتائب المتوقع ضد الفلسطينيين بسبب مقتل بشير الجميل، قامت إسرائيل، بوصفها قوة الاحتلال، باجتياح بيروت الغربية، وضربت طوقاً على مخيمي صبرا وشاتيلا. وقد كان هناك عتب إسرائيلي على حلفائهم اللبنانيين، بأنهم لم يسهموا كثيراً في تطهير بلدهم من الإرهابيين، وعليهم تطهير المخيمات من بقية الإرهابيين، والذين لم يغادروا مع المقاتلين الفلسطينيين. وقد وجد مقاتلو حزب الكتائب في هذه الدعوة، فرصة للانتقام من مقتل زعيمهم بشير.

وسمح الإسرائيليون المطوقون للمخيمين، لمقاتلي الكتائب بالدخول لتصفيته مما بقي من المقاتلين الفلسطينيين في 16 سبتمبر. وقام الإسرائيليون بإضاءة المخيمين بالقنابل المشتعلة وغلق كل المداخل والمخارج للمخيمين. كما تمركز الجنود الإسرائيليون على أسطح المباني العالية المشرفة على المخيمين لمراقبة العمليات داخلها.

واستمرت عمليات الذبح على قاطني المخيمين لمدة يومين، دون تدخل من القوات الإسرائيلية، والتي كانت تراقب ما يدور عن كثب. أورد روني بن ياشي، الصحافي الإسرائيلي، أنه في صبيحة اليوم الثاني، أي الجمعة 17 سبتمبر، اتصل بوزير الدفاع شارون، ليبلغه عن المجزرة التي يرتكبها حلفاء إسرائيل في المخيمين، وأنه قد أبلغ من قبل عسكريين إسرائيليين بما يدور في داخل المخيمين. ولكن شارون لم يكترث لما قال له بن ياشي.

وقد تراوح تقديرات ضحايا المجزرة بين 1500-3000 شخص. وكبقية المذابح التي ارتكبت ضد الفلسطينيين تنتظر العدالة. ولكن كما قال الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي:

عَزَائي مِنَ الظُّلاَّمِ إنْ مِتُّ قَبْلَهُمْ عُمُومُ المنايا مَا لها مَنْ تُجَامِلُهْ

إذا أَقْصَدَ الموتُ القَتِيلَ فإنَّهُ كَذَلِكَ مَا يَنْجُو مِنَ الموْتِ قاتلِه.

* كاتب وأكاديمي إماراتي

Email