مائة يوم من حكم ماكرون

ت + ت - الحجم الطبيعي

تقييم أي زعيم جديد بعد مئة يوم من توليه السلطة، لا يعتبر ممارسة عشوائية، فالرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت أبرز إنجازاته بصورة باهرة بعد انقضاء فترته الرئاسية، وذلك من خلال كلمة أذاعها في عام 1933، قائلاً إنه كرس حكمه لتنفيذ برامجه الحكومية الشهيرة.

ومنذ ذلك الحين، حاول بعض المعلقين الطموحين بين الفينة والأخرى إبطال فعالية إحدى الإدارات الأميركية السابقة بعد نحو ثلاثة أشهر فقط.

وفي فرنسا، مرت قبل فترة مئة يوم على فوز إيمانويل ماكرون في الانتخابات الرئاسية المفاجئة. وهي بالطبع إشارة للأعداء لكي يحاولوا تشويه سمعته بصورة كبيرة.

والتقليديون من اليسار واليمين لا يشعرون بالتعاطف بصورة طبيعية مع القادم الجديد لقصر الإليزيه، الذي عرض للإذلال الحزب الاشتراكي الحاكم والجمهوريين المعارضين. ويصور المسؤولون السابقون ماكرون الآن كمصرفي سابق تحول إلى أداة فاقدة الحس الأخلاقي بشأن تنفيذ الأعمال الكبرى، وأنه من صنع وسائل الإعلام الزائفة والصغيرة، وسيتهاوى عند أول تحد حقيقي يواجهه.

والحقيقة أن ماكرون لم ينجز أي من هذه الطروحات الساخرة، بل على النقيض من ذلك، أظهر الآن أنه مستعد أن يواجه المصالح المكتسبة، ويحول المجتمع الفرنسي بطريقة لم يتمكن سابقوه من إنجازها. وهؤلاء اقتنصوا بصورة وقحة من زوجته التي تكبره كثيراً بريجيت ماكرون، كما سخروا من حماسه الكبير للاتحاد الأوروبي، لكنهم ربما غاب عنهم بعض التطورات الرئيسية التي حدثت مؤخراً، والتي سيكون لها تأثير جوهري على مستقبل فرنسا الحالي.

في أغسطس الجاري، أقر البرلمان الذي يهيمن عليه حزب ماكرون، قانوناً يهدف لتوفير مزيد من الوظائف. وهذا التشريع سوف يحرر سوق العمالة من خلال منح الموظفين مزيداً من السلطة للتفاوض على ظروف العمل على المستوى المحلي، وليس بحسب الاتفاقات على مستوى الصناعة.

وبالأهمية نفسها، فإن هذه المبادرة تضمن مشاركة النقابات التجارية، لذلك فإن اشتراط الموافقة يعتبر جزءاً مهماً في مشروع ماكرون العام. وفي بلد لا يبالي فيه بالشعب، ويلام لأنه ترك نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون شخص عاطلين عن العمل، فإن ماكرون وحـّد الجهود لجعل خفض البطالة أولويته.

والتغيرات المؤسسية التي طال انتظارها، شملها قانون منع السياسيين من توظيف أقارب مباشرين، تماماً كما حدث في فضيحة «بنيلوب غيت» التي اتهم فيها المرشح الرئاسي المحافظ فرانسوا فيلون بتبديد مئات الألوف من الفرنكات الفرنسية من أموال دافعي الضرائب على زوجته البريطانية بنيلوب فيلون، وهذا يعتبر مثالاً رئيسياً على أن خدمة المصالح الذاتية منتشرة بشكل كبير في الحياة العامة الفرنسية منذ أمد طويل.

وعلاوة على إثبات أنه تكنوقراطي ماهر، قادر على تحويل الوعود المحلية الطامحة إلى واقع، فإن ماكرون يعمل بجد لتعزيز موقف بلاده في الخارج. وقد ساهم في استضافة بلاده لأولمبياد عام 2024 في باريس، وذلك في أعقاب الإهانة التي لحقت بالفرنسيين في عام 2012 حينما تمكنت لندن من استضافة الأولمبياد.

وحتماً فإن ماكرون بسمعته النظيفة يحاول الجمع بين القومية والأخلاق الحميدة. وعلى النقيض من الرئيسين الذين سبقوه، فرانسوا هولاند ونيكولاي ساركوزي، لم يظهر ميولاً نحو تكريس قسم كبير من وقته في المكتب لرئاسي لصالح ميوله العاطفية أو لتحقيق مكاسب ذاتية.

وعلى الرغم من تمكن القراصنة الروس من النفاذ إلى وثائقه الشخصية الخاصة، والتي أصبحت متاحة للجمهور في موقع ويكيليكس، إلا أن أياً منها لم يظهر ما يدل على وجود أدنى فساد أو سمعة سيئة تخصه.

وإذا تعلمنا أي شيء من المئة يوم الأولى من حكم ماكرون، فإنها تظهر أنه رجل إصلاحي يريد أن يعالج دولته المريضة وجعلها تصحو من جديد وتعلن عن وجودها بين دول العالم، وتحقق مجدداً أمجادها السابقة.

*كاتبة فرنسية من أصل جزائري

 

Email