إسرائيل والتأييد الأفريقي للقضية الفلسطينية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شك أن هذه الأنشطة الإسرائيلية المختلفة في أفريقيا وكذلك كل أوجه التعاون الإسرائيلي مع العديد من الدول في أفريقيا، وتبادل الزيارات لا تقتصر أهدافها علي النواحي الاقتصادية والأمنية، بل تستهدف تحقيق إنجازات سياسية تتمثل في محاصرة القضية الفلسطينية وحرمانها من الدعم الدولي في المنظمات الدولية ومصادر التأييد التقليدية التي بنتها السياسات المصرية والعربية في وقت سابق.

وحمل العرب الفلسطينيين على قبول الأمر الواقع الإسرائيلي، واليأس من تغييره والقبول في نهاية المطاف بالتصور الإسرائيلي للسلام، الذي يتنكر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير في دولته وعاصمتها القدس والقبول بالاستيطان الإسرائيلي، ومحاصرة التطلع العربي لسلام عادل يؤيده المجتمع الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وهو الهدف الذي لا يفارق السياسة الإسرائيلية إن في أفريقيا أو آسيا أو أميركا اللاتينية.

ولقد استوعبت السياسة الخارجية المصرية بعد الثلاثين من يونيو هذه الحقائق جيداً، وعرفت مخاطر العزوف عن العمق الأفريقي لمصر التاريخي والممتد عبر الزمن، وحاولت إعادة صياغة توجهات مصر الأفريقية وإحياء الروابط التقليدية، التي استندت عليها العلاقات بين مصر وأفريقيا، ونشأت في مجال تقديم الدعم والتدريب والمساعدة في إقامة المشروعات التنموية في العديد من دول القارة الأفريقية، وذلك من خلال الوكالة المصرية للتنمية.

وكذلك الانخراط المصري في المنظمات الأفريقية المختلفة ومشاطرة أبناء القارة تطلعاتهم وطموحاتهم لاستثمار ثرواتهم وتنمية مشروعاتهم الضرورية، لسد احتياجاتهم والاعتراف بحقهم المشروع في ذلك، على قاعدة لا ضرر ولا ضرار ومبادئ التعاون والحوار والتشاور والمساعدة المتبادلة خاصة فيما يتعلق بالمشكلات والقضايا التي تتعلق بتعظيم الاستفادة من مياه نهر النيل مع عدم الإضرار بدول المصب.

وفضلاً عن ذلك فإن السياسة المصرية لا يغيب عنها قضية الشعب الفلسطيني وتعبئة التأييد الدولي لها في كل الدوائر الدبلوماسية، من خلال المنظمات الدولية والمحافل الدبلوماسية المختلفة، ولا شك أن هذا التوجه في حالة استناده على إطار مؤسسي دائم ومبادئ سليمة متفق عليها كفيل بتعويض تلك الجفوة التي تسللت إلى علاقات مصر والعرب الأفريقية وفتح صفحة جديدة نحو المستقبل.

وفي مواجهة الحركة الدبلوماسية الإسرائيلية، التي تستهدف الدول الأفريقية، يمكن للسياسة العربية أن تعيد صوغ مواقفها إزاء القارة الأفريقية؛ وهذه العملية مرهونة بتضافر العديد من الإمكانيات والأجهزة المعنية، بيد أن أهم خطوة في إعادة هيكلة السياسة العربية تجاه أفريقيا هي النقد الذاتي البنَّاء لهذه السياسة، والوعي بمخاطر إنجازات الدبلوماسية الإسرائيلية على هذا الصعيد.

ويتمثل النقد الذاتي للسياسة العربية في هذا المجال في عدم قدرتها على استكشاف طبيعة وحدود التغير في جدول وأولويات الدول الأفريقية، وقصورها عن مواكبة التغير في المصالح والأدوات، وتعاملها مع منجزات الدبلوماسية العربية في حقبة الخمسينيات والستينيات باعتبارها معطيات ثابتة لا تتغير ولا تتأثر بما يستجد من أحداث.

وفضلاً عن ذلك فإن السياسة العربية إزاء أفريقيا تعاني من جمود الأطر المؤسسية التقليدية، والحذر من تجديد وتطوير هذه الأطر، وإعادة صوغ أهدافها وتحديثها.

ومن بين أهم الانتقادات التي يمكن أن توجه للسياسة العربية هو عدم قدرة النظام العربي على رسم سياسة عربية واحدة إزاء إسرائيل، وموقف عربي واضح يستند إلى استراتيجية موحدة؛ حيث أصبح لدينا سياسات عربية إزاء الصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما أفقد الموقف العربي المصداقية على الصعيد الأفريقي.

وأيّاً كان تفسير هذه التجزئة في الموقف العربي والسياسة العربية؛ فإن تقدير المخاطر والتهديدات التي يتضمنها تطوير علاقات أفريقيا بإسرائيل يفضي إلى القول إنها تهديد للأمن العربي، إن على الصعيد القطري أو الصعيد القومي، قد يتفاوت تأثير هذا الخطر من قطر إلى آخر، إلا أن ذلك لا يغير من طبيعته كتهديد في الحال والاستقبال.

في هذا السياق يمكن مناقشة المقترحات والتوصيات الآتية:

تفعيل المؤسسات والأطر المؤسسية التقليدية التي كانت تقف وراء علاقات العرب الأفريقية في السابق وما زالت قائمة ولكنها تبدو غير فعّالة، وذلك مثل حركة عدم الانحياز ومنظمة التعاون الإسلامي، فالأولى بحاجة لإعادة صوغ رسالتها على ضوء المتغيرات الراهنة، أما الثانية فتستبعد الدول غير الإسلامية من عضويتها، وفي جميع الأحوال فإن تطور وتفعيل هذه الأطر يبدو ضرورة لا مفر منها في مواجهة القصور وجمود الفاعلية العربية على هذا الصعيد.

التنسيق بين السياسات الخارجية العربية تجاه أفريقيا، عبر إنشاء مجموعة للتنسيق، أو مجموعة للربط بين هذه السياسات، وصوغ أهدافها على نحو يعظم العائد منها على صعيد القضايا العربية.

رسم معالم دور ثقافي جديد، عربي إسلامي، موجه للبلدان الأفريقية، تشارك فيه - وعلى قدم المساواة - الهيئات الدينية والإسلامية والمسيحية، التي تعبر عن المذاهب المختلفة، في إطار تنسيقي، يربط بين هذا الدور وبين السياسات العربية، ويمثل عمقاً ثقافيّاً وتاريخيّاً لها.

 

Email