قطر وعبث الصغار في زمن التحديات الكبرى

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما لا يوجد موقف يكشف النوايا الحقيقية للنظام القطري مثل الموقف من أداء الأشقاء القطريين فريضة الحج. فعل حكام قطر كل شيء لكي يمنعوا مواطنيهم من أداء الفريضة المقدسة، بدؤوا بالمحاولة الإجرامية لتدويل الأماكن المقدسة في السعودية بعد حملة أكاذيب لم تنطل على أحد، وانتهت بالقرار السعودي الحكيم بتقديم كل التسهيلات لتمكين الأشقاء القطريين من الحج، والذي قابلته السلطات القطرية الحاكمة بوضع العراقيل ورفض استقبال الطائرات السعودية لنقل الأشقاء القطريين من الدوحة لأداء مناسك الحج، ثم إطلاق الدعاوى الخائبة بأنها تخشى على سلامة الحجاج القطريين الذين ينزلون في ضيافة العاهل السعودي(!!).

تتعدد الأسباب عند المراقبين لهذا السلوك الغريب من حكام قطر، ومن هذا الإصرار على إغلاق كل الأبواب لتهدئة الأزمة. وبالطبع يبدو منطقياً هنا الحديث عن عناد مشبوه من حكام قطر، أو عن مخاوف من اكتشاف أشقائنا في قطر للحقائق التي يزيفها حكامهم وإدراكهم أن الخلاف هو من صنع هؤلاء الحكام. وأن علاقة الأخوة بين شعوبنا العربية ستظل باقية تسودها المحبة والوئام.

كل هذا حقيقي. ولكن الأهم والأخطر هو أن موقف حكام قطر من قضية الحج التي كان ضرورياً أن تبقى خارج السياسة وفوق أي خلاف. هو موقف يعكس أمرين أساسيين: الأول أن هذه الأزمة من بدايتها وحتى الآن هي صنيع حكام قطر. والأمر الثاني أن الأزمة التي تسببوا فيها ليس مطلوباً أن تنتهي الآن، وأن دورهم هنا هو استكمال لدورهم التخريبي على مدى عشرين عاماً من دعم الإرهاب ونشر الدمار في الوطن العربي.

حكام قطر يعرفون أن ما يلقونه من دعم بعض القوى الدولية والإقليمية كان على الدوام مرهوناً بأداء هذا الدور الذي يتم استكماله الآن بمحاولة زرع الفتنة في الخليج العربي، وببذل الجهد لخلط الأوراق وإيجاد مواطئ قدم لتركيا وإيران عن طريق الدوحة التي تحولت إلى ملاذ آمن لعصابات الإرهاب الإخواني وتوابعه. جنباً إلى جنب مع كبرى القواعد العسكرية الأمريكية في الخارج، في رسالة لا تخطئها عين ولا تغيب عن الفهم!

رد فعل النظام القطري في قضية الحج يقول شيئاً أساسياً هو أنه مستمر في أداء دوره ضد الأمن الخليجي والعربي حتى النهاية، وأنه يدرك أن مصيره مرتبط عند أصحاب القرار الذين استخدموه طوال عشرين سنة بأداء هذا الدور.. حتى بعد أن انكشف المستور وظهرت الحقائق وأصبح اللعب على المكشوف!

لن يتراجع النظام القطري لأن القرار ليس قراره! والمهم الآن أن ندرك الحقيقة الأساسية في هذه الأزمة، وهي أن حكام قطر يؤدون «دورهم» في هذه المرحلة لمحاولة استنزاف المزيد من الجهد العربي، ولمحاولة إبعاد الأنظار عما يجرى تنفيذه على الأرض العربية، وما يتم الإعداد له من مخططات مرحلة ما بعد العاصفة التي بدأت بغزو أمريكا للعراق وانتهت بالدواعش.. ليكون المطلوب الآن وضع الخرائط الجديدة للمنطقة موضع التنفيذ في غياب العرب.. وعلى حسابهم!

من هنا ينبغي أن نفهم كيف استمات حكام الدوحة طوال العشرين عاماً الماضية في أداء دورهم التخريبي، وكيف كان جهدهم في السنوات الأخيرة يحاول جاهداً ضرب استقرار دول «المقاطعة» العربية بعد أن أصبح تجمعها يمثل نواة الصمود العربي في هذه المرحلة الخطيرة.

لم يكن الأمر - بالنسبة لحكام الدوحة - مجرد ثأر شخصي أو طموح بلا مبرر ولا حيثيات بل كان دوراً في مؤامرة لم تنته. وكان - وما زال - خيانة لكل ما هو عربي، وإهانة لشعب قطر الشقيق الذي يعرف أن أشقاءه في الخليج والعالم العربي لا يستحقون أن تبدد ثروات قطر في تدمير أوطانهم، ولا أن تتحول «الدوحة» إلى مركز للتآمر على دول عربية صمدت للتآمر وأوقفت الفوضى ومنعت حكام الدين من الإخوان والدواعش أن يقودها إلى الخراب.

لو كان ممكناً أن يتراجع حكام قطر عن جرائمهم، لتوقفوا بعد سقوط الإخوان في مصر بعد 30 يونيو، أو بعد انكشاف دورهم في التآمر على السعودية والإمارات والبحرين، أو بعد افتضاح ما فعلوه بليبيا أو ما قدموه من دعم للإرهاب في سوريا والعراق، أو بعد جريمتهم المستمرة ضد شعب اليمن الشقيق.. لكنهم لن يتراجعوا حتى إن فتحت أمامهم كل أبواب التوبة، لأنهم ربطوا مصيرهم بالمؤامرة على الخليج والوطن العربي التي تدخل الآن فصلاً حاسماً لا بد من أن نستعد لمواجهته.

وليس من سبيل للمواجهة في هذه المرحلة الدقيقة إلا بالبناء على هذا التحالف بين مصر ودول الخليج «السعودية والإمارات والبحرين» ثم محاولة توسيع هذا التحالف على أسس حقيقية ليكون أمامنا طرف عربي قادر على أن ينهي الغياب العربي الذي كان كارثياً طوال سنوات الفوضى ونشر الدمار في الوطن العربي والذي يراد له أن يستمر حتى تتم الصفقات بين القوى الدولية والإقليمية على اقتسام النفوذ والهيمنة والثروات في العالم العربي.

وجود هذا التحالف ضرورة قومية، وامتلاكه استراتيجية شاملة للتعامل مع التحديات القائمة والمحتملة هو الوسيلة الأساسية لإنقاذ المستقبل وإيقاف التآمر من أجل خريطة جديدة يتحول فيها الوطن العربي إلى رقعة شطرنج يمارس فيها «الكبار» ألعابهم، ويحارب فيها «الوكلاء» لمصلحة الكبار، أما العملاء الصغار فتظل مهمتهم قطع الطريق على المنافس واستنزاف جهده.

المرحلة المقبلة هي مرحلة اللعب مع الكبار لإنقاذ أوطاننا مما يدبر لها. فلنترك الصغار لمصيرهم المحتوم، ولنستعد لما هو أجدى لشعوب تعتز بأوطانها، ولأوطان تعتز بعروبتها، ولعروبة ترفض الانحناء أمام التحديات وتأبى الانشغال بعبث الصغار!

Email