إسرائيل تصيد في أفريقيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت أفريقيا إحدى أهم دوائر الحركة العربية القومية في الحقبة الناصرية، خلال عقد الخمسينيات والستينيات.

وفضلاً عن ذلك، فإن أفريقيا المستعمرة، كانت تتطلع إلى الاستقلال والتحرر من الاستعمار، وكانت ثورة 23 يوليو عام 1952، تملك دعوى تحررية كونية، عبر إدراك قائدها الراحل الكبير عبد الناصر، الترابط بين قضايا التحرر العربي والتحرر الكوني، ووحدة قضية الاستقلال والكرامة للشعوب التي رزحت تحت نير الاستعمار.

ونتيجة لهذه الرؤية، التي ارتبطت بواقع القارة الأفريقية وطموحها إلى الاستقلال والتحرر، اتخذت معظم دول القارة مواقف مناهضة لإسرائيل، باستثناءات قليلة.

بيد أن هذا الميراث التضامني لدول وشعوب القارة الأفريقية مع النضال العربي ضد إسرائيل، سياسياً ودبلوماسياً، شهد عثرات كبيرة وممتدة عبر العقود الأخيرة، فقد وضعت إسرائيل نصب أعينها هذه القارة الأفريقية.

الكثير من دول القارة، تعتبر إسرائيل مستودع الخبرة الأمنية والعسكرية، بسبب تقدم صناعتها العسكرية وتفوق أساليبها الاستخباراتية، وحصول هذه الدول على التكنولوجيا العسكرية والتدريب والمعلومات، من شأنه أن يعزز مواقع النظم الحاكمة في هذه الدول، خاصة مع تواتر الصراعات والنزاعات بينها.

في مقابل ذلك، لم تستطع السياسة العربية أن تكون بمستوى هذا الإدراك وهذه المطالب الأفريقية، إذ لم يكن بمقدورها تلبية الحاجات الأمنية والدفاعية للدول الأفريقية، بسبب تخلف صناعتها العسكرية وتكنولوجيتها الحربية، مقارنة بمثيلتها الإسرائيلية، أو بسب عزوفها عن ذلك لاعتبارات مختلفة.

فضلاً عن أنها تخلت عن استراتيجية المواجهة، وجنحت إلى التسوية التفاوضية السلمية، وبالذات مصر، وساهمت بذلك في رفع الحرج عن الدول الأفريقية التي شرعت في إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ولم تتمكن السياسة العربية من بلورة سياسات ومؤسسات يمكنها أن تستثمر ميراث الخمسينيات والستينيات، ويخلق مصالح لدول القارة في استمرار مقاطعتها لإسرائيل، وعزلها على المسرح الدولي.

واستغلت إسرائيل موقعها في التنظيمات الخاصة بهذه الاتفاقية، لكي تقدم في يونيو عام 2000، وأثناء انعقاد جلسات "لجنة التراث العالمي" في بودابست بالمجر، ما سماه مندوبها مشروع "الأخدود الأفريقي العظيم" ودعوة الدول العربية والأفريقية للاجتماع ضمن مناقشة هذا المشروع، ويمتد الأخدود الأفريقي العظيم من تركيا شمالاً إلى جنوب أفريقيا ودول البحر الأحمر جميعاً ودول حوض النيل.

وتستهدف دعوة المندوب الإسرائيلي للدول الأفريقية والعربية ضمن هذا المشروع، التداول بشأن إعلان بعض المواقع الثقافية والطبيعية على قائمة التراث العالمي، كأداة لتحقيق السلام.في الاجتماع المشار إليه، اقترحت مصر تنشيط التعاون العربي الأفريقي في مجال حماية التراث الثقافي والطبيعي في الإقليمين، وقد وافقت اللجنة على هذا الاقتراح، وذلك بهدف إرجاء نظر اللجنة في مشروع المبادرة الإسرائيلية، أو قطع الطريق عليها.

بيد أنه في 30 سبتمبر من نفس العام، تمكنت إسرائيل من عقد الاجتماع الإقليمي الأول للخبراء من دول الأخدود الأفريقي العظيم، ودعيت إليه الدول المعنية، وكان حضورها محدوداً، وكانت كينيا من أكثر الدول حماساً، واتُّفق على أن يكون الاجتماع الثاني في كينيا.

ولدى مناقشة الطلب الذي تقدمت به كينيا لدعم عقد هذا الاجتماع في يونيو عام 2003، تمكنت مصر من إحباط هذا الطلب، وتأجيل النظر فيه إلى العام القادم.

جدير بالذكر أن الأخدود الأفريقي العظيم، هو تكوين جيولوجي، عبارة عن فالق ضخم في القشرة الأرضية، يفصل بين الجزيرة العربية وأفريقيا، ويبلغ طوله حوالي 7000 كم، ويضم أكثر من عشرين دولة.

ويكاد يماثل هذا المشروع، الذي تتبناه إسرائيل، مشروع السوق الشرق أوسطية، من حيث أهدافه ومراميه، فهو يهدف إلى إدماج إسرائيل في نسيج المنطقة الثقافي والطبيعي والجيولوجي، وأن تصبح جزءاً لا يتجزأ من المنطقة، ليس فحسب في الوقت الراهن، وبحكم الأمر الواقع، بل أيضاً على صعيد التاريخ والتكون الجيولوجي والجغرافي للمنطقة.

ويستهدف هذا المشروع، من وجهة النظر الإسرائيلية، استكمال مقومات الشرعية لإسرائيل، عبر شبكة العلاقات التي بنتها وتبنيها مع دول الإقليم الأفريقي والعربي، ومن ناحية أخرى، إسكات التاريخ الفلسطيني، وطمس معالمه وشواهده التاريخية والأثرية، وإثبات أن إسرائيل مرتبطة ببنية هذه المنطقة الجيولوجية والجغرافية منذ الأزل، وأنها ليست عنصراً طارئاً وعارضاً في حاضر وتاريخ المنطقة.

ولا شك أن هذا المشروع، يقابله تنسيق عربي تتولاه مصر واللجنة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة، بهدف إعداد الدول العربية والأفريقية لمواجهة المناورة الإسرائيلية، نأمل أن تُكلل بالنجاح.

 

 

Email