حوار بشأن الإعلام العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في بداية لقائه مع وزراء الإعلام العرب، تساءل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مندهشاً؛ هل يمكن أن تصل عملية تزييف وعي الإنسان العربي إلى حد أن يدمر العرب بعضهم بعضاً، ويتواطأ بعضهم مع جماعات الإرهاب إلى حد إحداث هذا التدمير المخيف الذي أصاب العراق وسوريا وليبيا وتونس واليمن؟!

هل يمكن لمصر التي أصابها النصيب الأكبر من المؤامرة ودفعت هذا الحجم الهائل من التضحيات أن تقبل بحلول وسط مع قطر وجماعات الإرهاب؟! مؤكداً في وضوح قاطع أن مصر لا تقبل ولن تقبل بأية حلول وسط مع الإرهاب وسوف تواصل حربها على الإرهاب إلى أن يتم اجتثاث جذوره ويلتزم الجميع بتجفيف منابع تمويله وعدم تقديم أي من صور العون المادي والمعنوي لجماعاته، لكن السؤال الخطير الذي يتطلب جهودكم كوزراء إعلام عرب يهمهم أمن الوطن العربي واستقراره، ماذا بعد؟! وهل نسمح باستمرار عملية تزييف وعي الإنسان العربي وتخريب عقله وتدمير قيمه وأخلاقه؟!

أثار سؤال الرئيس السيسي، همّة وزراء الإعلام العرب الذين تتابعت تعقيباتهم على تساؤلات الرئيس تساند موقف مصر في وضوح قاطع وتؤيد رفضها لأية حلول وسط مع الإرهاب وقطر وتؤكد التزامها بفضح كل صور تزييف وتخريب الوعي العربي، وتقترح ميثاق شرف جديداً تلتزم به مؤسسات الإعلام العربي، ليس شرطاً أن يكون حكومياً، بما يمكنها أن تصبح مصابيح نور تعين المواطن العربي على فهم واقعه، وتمكنه من التمييز بين الغث والسمين استناداً إلى المعلومات المتدفقة والرأي الموضوعي الذي يقوم على أدلة ثبوت أو أدلة نفي عقلانية ورشيدة.

في قاعة اجتماعات الجامعة العربية، وكأنها تصاريف أقدار صحيحة، استكمل وزراء الإعلام العرب بعد عودتهم من لقاء الرئيس السيسي، مناقشة أبعاد قضية تزييف الوعي وتخريب العقل العربي، عندما طلب مندوب قطر الدائم في الجامعة العربية الذي لم يكن مدعواً للقاء الرئيس السيسي التعليق على كلمة وزير إعلام دولة البحرين في جلسة سابقة، تحدث فيها بالوقائع والأدلة الثابتة عن الدور التخريبي الذي تلعبه قناة الجزيرة، قال المندوب القطري إن الجزيرة قناة مهنية تقدم الرأي والرأي الآخر ولأن العرب لا يقبلون الرأي الآخر يورطون أنفسهم في معاداة حرية الرأي والتعبير، أول مبادئ الديمقراطية وشروطها بطلبهم إغلاق قناة الجزيرة الذي ترفضه قطر.

أثار تعليق المندوب القطري استياء القاعة، وتتابعت كلمات وزراء إعلام السعودية والبحرين ومصر واليمن تندد بدور، "الجزيرة"، الداعم للإرهاب الذي لا علاقة له البتة بحرية الرأي والتعبير بعد أن وضح للعالم العربي ولكثير من الدول الغربية أن الجزيرة مجرد بوق لجماعات الإرهاب وأن دورها الأساسي هو تخريب وتزييف الوعي العربي وتمزيق وحدة العرب وخدمة مصالح شريرة.

وهي تستبيح الجميع من دون أن تجرؤ على أن تقول كلمة نقد واحدة لسياسات قطر ومواقف الحكم القطري الذي يتآمر على السعودية ومصر والبحرين والإمارات، ويساند ويكابر رغم شهادة رئيس الولايات المتحدة بأنهم الممولون التاريخيون لجماعات الإرهاب في الشرق الأوسط، فضلاً عن أن سجلات «الجزيرة» في كل بلد عربي تؤكد طبيعة دورها المحرض الذي لا علاقة له بحرية الرأي والتعبير.

هذا ما يعرفه عن يقين كامل أغلبية المصريين الذين تابعوا عن قرب دور "الجزيرة" في أحداث يناير في تزييف الوقائع وفبركة أخبار كاذبة. وتلفيق صور وتقارير غير صحيحة أسقطت مصداقيتها في مصر وأخرجتها من نطاق وسائل الإعلام لتصبح مجرد بوق كاذب وأداة رخيصة تستخدمها قطر لابتزاز أشقائها وجيرانها، ولأن الأسباب واضحة وجلية تصر الدول الأربع من خلال تجاربها المباشرة مع الجزيرة على رفض استمرار الجزيرة في دورها التخريبي وترفض قطر إغلاقها، لأن الجزيرة هي توأم الإرهاب من دونها تقطع يد قطر ويتلاشى دورها.

بالطبع ثمة أسباب أخرى غير قطر و"الجزيرة" تعمل على إفساد الوعي وتخريب العقل العربي لا نستطيع أن نبرئ أنفسنا منها، أخطرها الخلط الفاضح بين الفوضى والتحريض وحرية الرأي، والفهم الخاطئ لحرية الرأي التي يراها البعض حرية مطلقة لا يجوز المساس بها حتى إن استخدمها البعض لترويج الفتن والتحريض على العنف والإرهاب، وشق وحدة الأوطان وضرب مصالحها الأساسية في الأمن والاستقرار، وتمازي هذا الخطأ الفاحش إلى حد تبرير التكفير والتخوين وتخريب الأوطان وتدمير الأمصار، بما يفرض على الإعلام العربي ضرورة إعادة النظر في دوره المهم لحماية الرأي والعقل العربي من عمليات التخريب والإفساد.

ليكن واضحاً للجميع أننا لا نطالب بالأجر على حرية الرأي وحتى الاختلاف ولا نطارد حتى الرأي الآخر، الذي من دونه يصعب التعرف على الحقيقة، ولا نريد المساس بحق النقد الذي لا ينبغي تحصين أي مسؤول عربي من ضرورته ضماناً لصحة المسيرة الوطنية، فقط نطالب بالحفاظ على معايير المهنية والحرفية واحترام قيم الصدق والتدقيق وحق المواطن في أن يعرف ويشارك، وجميعها يدخل في إطار المعايير الأخلاقية التي تحافظ على شرف المهنة وتمنع سوء استخدامها لأهداف رخيصة وخطيرة.

Email