أسئلة حرجة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشعر المرء في هذه الأيام أن سماء القاهرة مزدحمة بالأسئلة أحياناً والتساؤلات أحياناً أخرى، بحيث يكذب من يدعي القدرة على الإجابة عليها جميعاً أو حتى على جزء كبير منها..

لكني أتوقف أمام تساؤل عن «واجب!؟» الدولة، التي يقع على عاتقها كما يقول البعض، أن تتكفل بكل فرد في هذا الوطن، من المهد إلى اللحد، من طعام، لتعليم، لتوظيف، الخ الخ. وهذا في حد ذاته أمر مقبول ويحظى بموافقة شبه اجتماعية، ولكن..

في كل بلاد العالم، تتوزع الحقوق والواجبات بين الدولة من جهة والمواطن من جهة ثانية واعتقد أن من أخطر ما يواجه مصر الآن، من مشاكل، يكمن في كارثة الانفجار السكاني الذي يلتهم كل ما يستطيع التهامه والذي يصعب على أكثر الدول ثراء استيعابه بتلك الوتيرة المجنونة، أي بلوغ ثلاثة أضعاف تعدادنا السكاني في نحو نصف قرن من الزمان..

بل ان كافة الدول تضع الدراسات التي تحدد موارد الثروة وإمكانات الدولة، على ضوء عدد السكان وقدر الموارد والثروات الطبيعية، فنحن نرى مواطنا يستغيث بالدولة مطالبا إياها بأن تكفل له حياة كريمة وتؤمن له ما يكفيه، هو وأبناؤه الخمسة أو الثمانية أو حتى العشرة!!!.. ومثل هذا المواطن يريد الاستئثار بما يتيسر.

ويزيد من موارد الدولة وينكر عليها حقها في أن تطالبه بما عليه من التزامات، ان يراعي المصاعب التي تواجهها وأن يراعي كذلك حق من ينظم نسله في حدود المعقول ليس تفهما لإمكانات الدولة فحسب، ولكن حرصا منه على تربية أبنائه في أفضل ظروف ممكنة والعيش بكرامة ونيل اكبر قسط من التعليم، متفهما الأوضاع وان الدولة بمواردها المحدودة، يستحيل عليها تلبية احتياجات زيادة سكانية غير محدودة، بل ومنفلتة..

لماذا يكون من حق شخص ما تحميل الدولة عبء غذاء وتعليم وتوظيف ثمانية أفراد ويستكثر على الدولة أن تطالبه بالرحمة وبأنها لا تستطيع أن تتحمل عبء أكثر من ثلاثة أبناء أو حتى ابنين. وتذكره بأنه يقتطع من حقوق الأسر ذات الابنين أو الثلاثة على أكثر تقدير؟.. ويطمع صاحبنا أن تبحث الدولة عن وظائف لأولاده.. على أن تكون الوظيفة على هوى الابن وان تكون بجوار مسكنه، و.. و.. وإما.

كما يقترح البعض أن تخصص لهم إعانة بطالة !!!! ولا يفكر المطالبون بهذه الإعانة من أين للدولة بكل هذه المليارات، أو مثلا، بأن المليارات التي قد تقدمها الدولة للعاطلين، يمكن أن تُستثمر في إنشاء مصانع وصناعات متوسطة وصغيرة واستصلاح أراض وبسواعد هذا الشباب «العاطل»، فنضرب جميعا أكثر من عصفور بحجر واحد.. لقد كنا ثلاثين مليون نسمة في ستينات القرن الماضي وكنا نحقق اكتفاء ذاتيا تقريبا كما كنا نصدر منتجات كثيرة، مثل المنسوجات والمصنوعات الجلدية وغيرها..

كانت البطالة تكاد تكون منعدمة وكان شعارنا، من لا يملك قوت يومه، لا يملك حرية قراره، وللأسف تم تفكيك مصانعنا وتصفية معظمها، مما زاد من ضخامة حجم البطالة.. أيضا. كان الشعب مؤمنا بأهمية تنظيم النسل وهو ما أدى بعد التخلي عنه إلى مأساة ملايين الأطفال الذين ألقاهم من أنجبوهم في الشوارع، بلا شفقة أو رحمة أو أدنى شعور بالمسؤولية..

لا جدال في أن على الدولة واجبا تجاهنا ولكن لا مهرب من الإقرار بأن للدولة، بالمقابل، حقا علينا، كل من الطرفين، الحكومة والأهالي، له حقوق وعليه واجبات، وإنكار ذلك يؤدي إلى مخاطر يصعب تداركها، مثلما يحدث الآن بالانفجار السكاني الكارثي الذي يلتهم الأخضر واليابس ولا يترك مجالا لالتقاط الأنفاس.. حقاً إن الله عز وجل يرزقنا جميعاً ولكنه القائل في كتابه العزيز «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون» صدق الله العظيم..

تنظيم النسل شرط بقاء في دولة رقعتها الزراعية محدودة ولا يرقى التوسع فيها مواجهة الزيادة السكانية الرهيبة حتى تخطينا، حسب بعض المعلومات، المئة مليون نسمة.. وأتمنى على رجال الدين الذين يشجعون الإنجاب، على اعتبار انه من أسباب القوة والبأس، وهو ما تؤكد الشواهد عدم دقته، أن يستنهضوا همم الشباب ودعوتهم للعمل والتأكيد على أن طوق النجاة الوحيد يتمثل في العمل والإنتاج.. إذا أردنا أن تكون الدولة بابا وماما، فعلينا أن نكون أبناء بررة وأكفاء.

 

 

Email