القضية الفلسطينية في البيت الأبيض

ت + ت - الحجم الطبيعي

مهما تكن ملاحظات البعض على سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الداخل والخارج، إلا أن الأمر المؤكد أن إعلانه العزم -في أكثر من مناسبة- على بذل كل جهد ممكن من أجل إنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي بجميع أوجهه وتحقيق مصالحة تاريخية بين العرب والإسرائيليين، تنهض على قيام دولة فلسطينية على الأراضي التي جرى احتلالها في يونيو عام 67.

وتطبيق المبادرة العربية التي تقوم على مبدأ كل الأرض مقابل كل السلام، وثقته البالغة في قدرته على انجاز هذه المهمة، يشكل فرصة عظيمة يحسن للعرب العمل على استثمارها، وتقديم كل عون ممكن يساعد الرئيس الأميركي على انجاز هذه المهمة التي سعى إلى استكشاف آفاقها الممكنة في رحلته الأخيرة إلى منطقة الشرق الأوسط التي زار خلالها المملكة العربية السعودية وإسرائيل.

وقد يزيد من فرص نجاح ترامب في هذه المهمة حسن استماعه لعدد من الرؤساء والقادة العرب في لقاءات عقدت خلال زياراتهم البيت الأبيض قبل عدة أسابيع، ومن بينها لقاؤه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، ورغبته المتزايدة في معرفة تفاصيل القضية الفلسطينية وتطوراتها، ومرونته العملية التي تمكنه من تغيير مواقفه وفقاً لحقائق الواقع، وانحيازه أخيراً إلى حل الدولتين -أو عدم استبعاده كلياً- باعتباره الحل العملي والممكن.

وربما يكون من الصعوبة بمكان التكهن بمصير محاولات الرئيس ترامب لتسوية الصراع العربي - الإسرائيلي لكن من المهم أن يترك العرب إفشال مهمة الرئيس الأميركي للجانب الإسرائيلي لكشف مواقفه وعناده مجدداً أمام المجتمع الدولي، وأمام «حليفه» الأميركي على وجه الخصوص.

في هذا السياق تجدر الإشارة إلى انه رغم أن جولة الاستكشاف الأولى التي قام بها المبعوثان الأميركيان، جارد كوشنور، صهر الرئيس ترامب وكبير مستشاريه «36 عاما» - يهودي محافظ اضطلعت أسرته بتقديم العون لحركة الاستيطان اليهودي في فلسطين-، وجاسون غرينبلات الممثل الخاص لترامب في المفاوضات الدولية في كل من تل أبيب ورام الله، واجتماعهما بكل من بنيامين نيتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي ومحمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية لبحث فرص وإمكانية استئناف المفاوضات بين الجانبين أملاً في تسوية سلمية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم تسفر عن نتائج محددة.

وكانت مجرد مباحثات افتتاحية دون جدول أعمال أو اقتراحات محددة، إلا أن إدارة ترامب تنثر كل يوم المزيد من التفاؤل حول فرص نجاح المحاولة التي يعتقد ترامب أنها يمكن أن تسفر عن «صفقة العصر»!

وبرغم الخبرة المحدودة لكل من جاريد صهر الرئيس وزميله غرينبلات في قضايا الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي، يؤكد الرئيس الأميركي أن المبعوثين الأميركيين سوف يحققان النجاح فيما فشل فيه عتاة الدبلوماسية الأميركية لأن صهره جاريد على رأس المهمة دون أن يحدد ترامب أسباب ثقته الزائدة في قدرة جاريد..

صحيح أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يبدي تفاؤلاً شديداً بإمكانية دخول تطورات القضية الفلسطينية إلى مراحل مختلفة واقتناع ترامب الراهن بأن حل الدولتين هو الحل الوحيد الصحيح المتاح، ورسائله الأخيرة إلى نيتنياهو كي يقلل من اندفاعه في بناء المزيد من المستوطنات في قلب الضفة الغربية.

لكن نيتنياهو لا يزال على مواقفه الأساسية، يرفض حل الدولتين اكتفاء بحكم ذاتي لا يتجاوز حدود البلديات، ويصر على بناء المزيد من المستوطنات، ليس فقط على أرض الدولة الفلسطينية ولكن على أراضي أسر فلسطينية تم طردها عنوة من أراضيها، ولا أظن أنها محض صدفة أن يعلن نيتنياهو هذا الأسبوع بناء مستوطنة جديدة في عمق الضفة.

وفي إسرائيل تؤكد دوائر عديدة أن نيتنياهو الذي نجح في إفشال جهود الرئيس الأميركى السابق أوباما وعاداه على مدى ثمانية أعوام على امتداد فترتى ولايته لا يمكن أن يرفض مبادرة ترامب أو يدخل معه في عراك مرير مكرراً تجربته مع أوباما ليؤكد استهانته بساكن البيت الأبيض جمهورياً كان أو ديمقراطياً، وأن قلق رئيس الوزراء الإسرائيلي من ردود أفعال ترامب غير المتوقعة يلزمه مسلك أقل تكبراً وعناداً انتظاراً لفرصة مناسبة تمكنه من تقويض مشروع السلام الذي لم يبدأ بعد.

لكن ثمة ما يشير إلى أن نيتنياهو لن يمكنه سوى الرضوخ للبيت الأبيض وربما يعلن قبوله حل الدولتين إذا استمر ترامب رئيساً للولايات المتحدة، رغم يقينه بأن تحالف الليكود سوف يتفكك ويندثر ليحل مكانه تحالف جديد بين حزبي العمل والليكود، ينجز المصالحة التاريخية بين العرب والإسرائيليين وينهى كل أوجه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والأمر يحتاج إلى مزيد من المتابعة الدقيقة في المرحلة المقبلة في ظل التطورات الجارية على الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية وكذلك في أروقة البيت الأبيض.

 

 

Email