حديث المجتمع الدولي عن الإرهاب المتمثل في تصريحات القادة والزعماء والمواقف السياسية المختلفة من الإرهاب، خاصة من القوى الكبرى والمؤثرة في المشهد العالمي الراهن، ورغم تكراره المرة تلو الأخرى، لا يزال يفتقد الكثير من أوجه المصداقية في الواقع العملي.
تنفرد مصر دون العديد من الدول، ومن واقع خبرتها السابقة والحالية برؤية شاملة للإرهاب وصادقة أيضا، ولا عجب أن يتبنى مجلس الأمن خطاب الرئيس السيسي الأخير في مؤتمر القمة الإسلامية الأميركية كوثيقة رسمية؛ ذلك أن هذا الخطاب لم يحصر الإرهاب في المنتج النهائي أي العمليات الإرهابية.
بل وضع على قدم المساواة كافة العمليات التي تسبق التنفيذ في الضوء مثل عمليات التمويل المالي والتموين اللوجيستي المتمثل في الأسلحة والعتاد الذي يستخدمه الإرهابيون وعمليات التدريب والملاذات الآمنة التي يتم توفيرها للإرهابيين والغطاء السياسي.
اختبار جدية المجتمع الدولي في محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه وهو الخطاب المتكرر يحتاج إلى تقليص الفجوة بين الكلام والعمل وبين القول والفعل.
وفي تقديري أن ذلك لن يتأتى إلا عبر استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، قرار ملزم وفق الفصل السابع من الميثاق يتضمن أولا النص صراحة ودون مواربة على أن الإرهاب يمثل تهديدا للأمن والسلم الدوليين والأمن الجماعي لجميع الدول شرقا وغربا، فهو يهدد أمن المواطنين في الدول الغربية وأمن المواطنين والدول في الشرق الأوسط ويعتبر تدخلاً ساخراً في شؤون هذه الدول ويستخدم القوة الغاشمة والسافرة لإسقاطها ومن ثم فهو انتهاك لمبادئ الأمم المتحدة وميثاقها.
هذه القدرة على تشخيص الإرهاب وتوصيفه على هذا النحو، يمتلكها مجلس الأمن، وتدخل في صميم صلاحياته باعتباره حتى الآن الهيئة الأممية المنوط بها حفظ الأمن والسلم الدوليين، صحيح أن هذه الصلاحية التي يمتلكها مجلس الأمن تنطبق على النزاعات المسلحة والخطيرة التي تهدد الأمن والسلم الدوليين أو العدوان على سيادة إحدى الدول بالقوة، ومع ذلك فإن الإرهاب بامتداداته وتشعب عملياته عبر العالم يدخل في صميم التهديد للأمن والسلم الدوليين.
حتى لا يساء استغلال مثل هذا القرار من قبل القوى النافذة ينبغي أن يصدر هذا القرار وفقا للتدابير والنصوص الواردة في الفصل السابع، أي تشكيل هيئة دولية لإدارة هذه العقوبات واتخاذ القرارات المتدرجة من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية .
وما دون ذلك من العقوبات وانتهاء بالتدخل العسكري إذا لزم الأمر، في حالة عدم كفاية تدابير المقاطعة والحصار في حمل هذه الدول المتهمة بدعم وتمويل الإرهاب عن العودة إلى جادة الصواب والامتناع عن هذا الدعم.
تجمع هذه اللجنة الدولية التي يكلفها مجلس الأمن بإدارة هذا الملف بين عضوية الدول دائمة العضوية وعضوية الدول ذات العضوية المؤقتة غير الدائمة، ولها أن تستعين وفقا لصلاحياتها بمن تريد من الدول والخبراء.
وأن تعقد الاتفاقيات اللازمة والضرورية مع الدول الأعضاء إن لتمويل تنفيذ ما يتخذ من قرارات أو للمساهمة في الجهد العسكري اللازمة لمواجهة المتواطئين مع الإرهاب؛ وذلك لضمان عدم استئثار القوى الكبرى منفردة بتفسير مثل هذا القرار وتحويله ضمن توجهات مصالحها الوطنية والقومية وفقا للانتقائية والرؤى السياسية المختلفة لها.
الهدف بالتأكيد هو اختبار جدية المجتمع الدولي لمواجهة الإرهاب والتصدي له وترجمة حديث الدول عن الإرهاب إلى خطط عملية موحدة.
ينبغي أن يثبت المجتمع الدولي أنه قادر على بلورة استجابة بمستوى التحدي المطروح، وأن يفكك تلك العلاقات التي نشأت عبر عقود بين الإرهاب وبين استخدامه كأداة لتنفيذ وتحقيق أهداف السياسات الخارجية لبعض الدول.
وأن يخرج إلى حيز العلن المعلومات التي تمتلكها أجهزة المخابرات وأن تتشكل قائمة سوداء دولية بالدول التي تساهم في مختلف أشكال الدعم للإرهاب والدوائر التي تخطط له وليكن مسماها "قائمة العار"، أما أن تظل هذه المعلومات بعيدة عن الرأي العام فذلك يعنى خداع الرأي العام وتضليله في قضية تخص حياة المواطنين والدول على حد سواء.