تفاهمات سرية مع إسرائيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان لتطور العلاقات الهندية الإسرائيلية، خاصة في مجال الدفاع والتسليح والتكنولوجيا، تأثيرات هامة في باكستان، الجار النووي المسلم للهند، والطرف الآخر في النزاع حول كشمير.

حيث ارتأت باكستان أن التعاون الهندي الإسرائيلي، خاصة في مجال التجسس بالطائرات ذات التكنولوجيا المتقدمة في جمع المعلومات، من شأنه أن يخل بالتوازن الإقليمي بين الهند وباكستان، وأن يعزز قدرات الدفاع الهندي في مواجهة باكستان.

ونتيجة لحسابات معقدة أجرتها كل من إسرائيل وباكستان، شاركت فيها الولايات المتحدة الأميركية، وعلى ضوء ظروف خاصة بالحرب على الإرهاب بعد 11 سبتمبر، يمكن القول إن تفاهماً استراتيجياً غير مكتوب بين إسرائيل وباكستان يجري العمل به، يقضي بعدم التدخل في المجال الجغرافي الحيوي للآخر.

وعدم الإخلال بموازين القوى في الأقاليم التي توجد بهما إسرائيل وباكستان، فإسرائيل لا تتدخل إلى جانب الأطراف التي تناوئ باكستان في كشمير وآسيا الوسطى وأفغانستان، كما أن باكستان لن تتدخل إلى جانب الأطراف المتنازعة مع إسرائيل.

ولكل من البلدين مصلحة حيوية في هذا التفاهم غير المكتوب، أو «التفاهم الاستراتيجي الصامت»، كما أسماه البعض.

بيد أن ملف العلاقات بين باكستان وإسرائيل، يخضع لتنازع تيارين أساسيين، أولهما قومي ليبرالي، يسلم بأن العرب قد خذلوا باكستان في قضية كشمير، وهو على استعداد للاعتراف بإسرائيل، استناداً إلى هذه القاعدة، أما الثاني، وهو التيار الإسلامي السائد، وهو وإن كان يقر بخذلان العرب لباكستان في القضية الكشميرية، إلا أنه يرى أن القضية الفلسطينية هي قضية باكستان الأولى، ولا يرغب في الاعتراف بإسرائيل.

وتستهدف باكستان من المناورة حول ملف علاقتها بإسرائيل أمرين، وذلك في الحد الأدنى المقبول باكستانياً، الأول تحييد المؤسسة العسكرية الصناعية في إسرائيل، حتى تقلص من دعمها التكنولوجي للهند، أما الثاني، فهو تحييد اللوبي الموالي لإسرائيل في مؤسسة صنع القرار الأميركي المتعلق بباكستان.

وخضعت علاقة الصين بإسرائيل لميراث ومعادلات الحرب الباردة، حيث اعترفت إسرائيل بالصين الشعبية اعترافاً كاملاً وقانونياً عام 1950، غير أن الصين لم تبادل إسرائيل هذا الاعتراف، حيث انخرطت الصين الشعبية في معسكر باندونج وعدم الانحياز، وتبادلت العلاقات الوثيقة بالدول العربية، لا سيما في الستينيات.

وأيدت نضال الشعب الفلسطيني وكفاح الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، في عقد السبعينيات، بدأت بوادر إيجابية في علاقات الصين بإسرائيل، حيث أيدت الصين مبادرة السادات ومعاهدة كامب ديفيد والحل السلمي للقضية الفلسطينية.

من ناحية أخرى، كانت هذه الفترة تشهد تفاهماً تدريجياً بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، عبر ما عرف بدبلوماسية «البينغ بونغ»، وتبنت الصين في أواخر السبعينيات سياسة الانفتاح الاقتصادي، وسعت لتحسين علاقاتها بالدول الأخرى.

كانت محصلة هذه التطورات إيجابية على العلاقات بين الصين وإسرائيل، حيث قلصت هذه التطورات مساحة الحرج عن إسرائيل، في معرض سعيها لتطوير علاقاتها بالصين، فالحليف الأول لإسرائيل، أي الولايات المتحدة الأميركية، اتخذ مساراً مختلفاً في علاقته بالصين.

ومن ناحية أخرى، فإن توقيع معاهدة كامب ديفيد والمعاهدة المصرية الإسرائيلية، قد رفع الحرج عن الصين في نظرتها لإسرائيل، ومنذ ذلك الحين، اتجهت العلاقات الصينية الإسرائيلية إلى تجاوز مناخ الحرب الباردة، واستكشاف آفاق المصالح الممكنة بين الجانبين.

فيما يتعلق بالصين، فإن وجهة تطور علاقاتها بإسرائيل قد اتخذت مساراً مشابهاً لتطور العلاقات الهندية الإسرائيلية، حيث بدأت هذه العلاقات في مجال التسلح والتكنولوجيا العسكرية وأنظمة التسليح المتقدمة الغربية، خاصة في مجال الطيران، لإعادة تشكيل موازين القوى بجنوب آسيا لصالح الصين في نزاعها مع تايوان والهند.

والمنافسة التقليدية مع اليابان، وأصبحت إسرائيل بالنسبة للصين، هي بوابة الحصول على التكنولوجيا المتقدمة لتحديث الدفاع الصيني، بالإضافة إلى المجهود الوطني الصيني لتحديث وتطوير البنية الدفاعية الصينية.

يضاف إلى ذلك أن تقارب الصين وإسرائيل، من وجهة النظر الصينية، قد يمكِّن الدبلوماسية الصينية من الاستفادة على نحو أو آخر من وجود اللوبي اليهودي الموالي لإسرائيل في مؤسسات صنع القرار الأميركي، خاصة في مجال حقوق الإنسان في الصين، وتعزيز موقف الصين إزاء تايوان، وتسهيل انخراط الصين في المجتمع الدولي، وإنهاء عزلتها الدولية.

أما من ناحية إسرائيل، فإن قراءة الخبرة التاريخية للصهيونية وإسرائيل طوال ما يفوق نصف القرن، تشير إلى أن إسرائيل تسعى لتوطيد علاقاتها بالقوى الكبرى الفاعلة في النظام الدولي، حيث ركزت في البداية على بريطانيا، ثم توجهت إلى الولايات المتحدة الأميركية في ما بعد.

واستناداً إلى هذه الخبرة، فإن إسرائيل ترى في الصين قطباً عالمياً مؤثراً في القرن الحادي والعشرين، بحكم ثقله الاقتصادي والجغرافي والعلمي والسكاني، وفضلاً عن ذلك، فإن الصين تحظى بحق الفيتو في مجلس الأمن، وأن استثمار علاقتها بالصين، والفرصة المتاحة لتطويرها، سيكفل لإسرائيل دعماً سياسياً ودولياً، خصماً من رصيد العرب خلال عقد الستينيات والخمسينيات.

وسيترتب على ذلك تخفيف الضغط على إسرائيل في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي سيعزز الموقف الإسرائيلي في مواجهة العرب، كما أن تطوير علاقة إسرائيل بالصين، سيدفع بالأخيرة لمراجعة سياساتها العربية، وسيمكن إسرائيل من تقليص صفقات ونوعية الأسلحة التي قد تقدمها الصين للدول العربية.

 

Email