مؤامرة التكفير

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعرف كما افترض أن يعرف غيري أن مصر تمر بحقبة من أصعب الحقب، إن لم تكن الأصعب في تاريخها، فقد اعترف أصحاب مخطط تفتيت الوطن العربي، وفي القلب منه مصر، بإفشال مشروعهم، الذي تحطم، على صخرة الوحدة الوطنية، وحدة استعصت على كل أعدائها عبر القرون.

آخر ما توصل إليه عباقرة شعار «فرق تسد»، هو سلاح التكفير المدمر، وهو ما رد عليه الأزهر الشريف بما يلجم كل الألسنة التي تتنطع بالفتاوى، ولا شك أن السؤال الذي يفرض نفسه وبقوة هو: لماذا الآن؟

وما هي العجلة والحاجة الملحة التي توجب تكفير المسيحيين المصريين في هذا التوقيت بالذات، وبينما يدرك الجميع إن خلاصنا في وحدتنا، لأن العدو، وكما أثبت التاريخ، لا يفرق بين المصريين على أساس العقيدة الدينية، كما أنه لا يخفى على أحد أن الدماء المصرية، للشهداء المسلمين والمسيحيين، قد روت أرض سيناء الحبيبة، تماماً كما ترويها دماؤهم الآن في تفجيرات الإرهابيين الأشرس في كراهيتهم لمصر، بدليل استهداف جيشها، درعها الأمين وحامي أراضيها وكذلك استهداف شرطتها، لتسهيل مهمة التقسيم التي حددها لهم من يمولونهم.

مصر تحتاج إلى من يحض على العمل ويستشهد في ذلك بالآية الكريمة، «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون».

مصر في حاجة إلى إعلاء قيمة الحرية، التي أكدت احترامها لها، بتشابك الأيدي بين المسلم والقبطي، في التصدي للظلم والطغيان ومطامع الأعداء على قاعدة، أن الدين لله والوطن للجميع، ومصر تحتاج سواعد كل أبنائها القادرين على البناء وليس فتح أبواب الفتنة علي مصاريعها، بإباحة القتل، لأن ذلك هو القصد من تكفير المسيحيين.

لماذا انفجرت تيارات التكفير بعد أيام من زيارة بابا الفاتيكان الناجحة لمصر وتجوله فيها بحرية ودخوله استاد الدفاع الجوي حيث تجمع عشرات الآلاف بسيارة مكشوفة، واستقبال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف له، وهو ما دحض كل الافتراءات عن الوضع في «أم الدنيا» كما نقلت وسائل الإعلام، بالصوت والصورة.

ثم هل من صلاحية أي شخص تحديد من سيدخل الجنة ومن سيدخل النار؟

هل يقبل المنطق أن يصف لنا أحدهم، مشهد المسيحيين يوم الحساب وحوارهم مع الله عز وجل، بل واتهام «الذين لم يكفروهم بأنهم ضللوهم؟».

هل يحق لأحد، مهما علا شأنه، أن يتحدث باسم الخالق وأن يستبق يوم الحساب، بعد أن ينصب خيمته في الفضائية التي يروج منها فتاويه المرعبة والمحرضة على تعميق الخلاف إن لم نقل على الكراهية؟

ما هو المكسب بالنسبة للإسلام إذا تم قتل جميع المسيحيين في العالم؟

ألا يُعد ذلك إقراراً بالعجز عن الإقناع؟ الغريب، أن حمى التكفير لا وجود لها في دول كثيرة ذات أغلبية مسلمة، ومن هنا كان الارتياب في إثارتها في مصر، التي تسعى للخروج من عنق الزجاجة بالتوسع في الزراعة والمشروعات الصناعية وبينما تهب رياح التفاؤل من شواطئ المتوسط، مع اكتشاف أكبر حقل غاز في المنطقة.

وفي سياق التساؤلات المشروعة، هل يعرف أصحاب فتاوى التكفير، أن عمرو بن العاص عندما قدم إلى مصر، لم ُيكفر مسيحييها ولم يدع إلى قتلهم، ولم يهدم كنائسها، وأن أول مسجد بني في مصر كان مسجد عمرو بن العاص، على أرض ملك عائلة قبطية تبرعت بها طواعية للمسجد، وان مواطنين مصريين مسيحيين، شاركوا في بناء المسجد؟ ولذا ظلت مصر عصية على كل أعداء وحدتها.

لا يوجد في مصر مسلم ومسيحي، فالمصير واحد، والوحدة المصرية استعصت وستظل مستعصية على كل من يستهدفها، مهما بلغت أسلحته من قوة، فهذه الوحدة أقوى من كل الأسلحة المتاحة الآن وما قد يستجد منها.

 

 

Email