لماذا تغزو اسرائيل الشرق؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

حققت إسرائيل اختراقات استراتيجية مهمة على صعيد القارة الآسيوية، حيث نجحت في إقامة علاقات مع العديد من دول القارة، أبرزها تركيا واليابان وتايلاند وبورما وكمبوديا والصين والهند، وذلك عبر استراتيجية الطرق المتواصل على أبواب آسيا، التي كانت فيما يبدو محكمة الإغلاق في وجه إسرائيل؛ بسبب التعاطف الآسيوي مع القضية الفلسطينية والعلاقات التاريخية التى ربطت العرب بآسيا عبر حركة التضامن الأفريقي الآسيوي وحركة عدم الانحياز.

ولم تستند إنجازات إسرائيل في هذا المضمار على مجرد انتظار فتح أبواب آسيا أو التعويل على المتغيرات الدولية، وإنما تبنت استراتيجية نشطة؛ منذ أن اصطدمت بجدار الرفض الآسيوي وخاصة من قبل الصين والهند في عقد الخمسينيات عندما كان موسى شاريت رئيساً لوزراء إسرائيل.

وارتكز الخطاب الإسرائيلي الموجه للهند من أجل تحقيق الأهداف الإسرائيلية حول عدد من العناصر المترابطة التي بمقدورها التأثير على مواقف النخبة والحكومة والرأي العام، أول هذه العناصر يتمثل في زعم إسرائيل بأنها دولة آسيوية وأنها جزء لا يتجزأ من القارة الآسيوية، وفق ما قاله موسى شاريت في الخمسينيات، ومن هذا الموقع الجغرافي فإن إسرائيل وضعت نفسها في حالة جوار جغرافي وحسن جوار يرتب إمكانية تبادل المصالح والمنافع كما هو العرف في العلاقات الإقليمية.

يعني ذلك أن إسرائيل ليست غريبة على المنطقة وأن علاقتها بالغرب لا تقلل من انتمائها الآسيوي ولا تعرقله، من ناحية أخرى فقد زعمت في خطابها الموجه للهند بأنها تمثل بيت خبرة في مقاومة الإرهاب الإسلامي والفلسطيني في فلسطين المحتلة، ويمكنها أن تقدم خبرتها للهند لمواجهة تداعيات النزاع الهندي الباكستاني حول كشمير، وتقليص موجات الإرهاب والتمرد التي يقودها إسلاميون متشددون من كشمير، وبذلك تستغل إسرائيل مشكلات الهند في كشمير ومع باكستان لخلق مصالح مهمة للهند مع إسرائيل عبر إقامة العلاقات والتعاون بين البلدين.

على صعيد آخر فإن إسرائيل تزعم أنها البلد الديمقراطي الوحيد في منطقة الشرق الأوسط، كما أن الهند من أكبر وأعرق الديمقراطيات في شبه القارة الهندية والبلدان الآسيوية، وذلك أحد أوجه الشبه والتماثل بين البلدين ويبرر تعاون الديمقراطيات في مواجهة الإرهاب والدول الاستبدادية.

وتعلم إسرائيل في هذا السياق، المشكلات التي تواجهها الهند في مجال تطوير نظمها الدفاعية والتسليحية، وتأكيد أمنها الإقليمي، حيث تعاني الهند من قدم أنظمة التسلح السوفييتية الروسية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، وحاجتها لتجديد هذه النظم وتطويرها، وصعوبة الحصول على تكنولوجيات متقدمة من الولايات المتحدة الأميركية وتقدم إسرائيل نفسها في هذا الإطار كحلقة وصل الهند بالتكنولوجيات المتقدمة في مجال الدفاع والتسليح وتطوير نظم التسلح وأجهزة الإنذار المبكر من طراز فالكون المحمول جواً، وتحتل إسرائيل المرتبة الثالثة في الدول التي تصدر السلاح إلى الهند.

من الواضح أن الخطاب الدعائي الإسرائيلي الموجه للهند يجمع بين إرضاء الطموح الهندي في التفرد كأكبر ديمقراطية في آسيا وبين المصلحة الوطنية الهندية في الحصول على تكنولوجيا متقدمة في مجال الدفاع ومعالجة قضايا الأمن القومي الهندي في كشمير وشبه القارة الهندية، بيد أنه مهما كان الخطاب الإسرائيلي فإن استجابة الهند لهذا الخطاب وصياغة معالم سياسية هندية إزاء إسرائيل، اقترنت بظروف إقليمية ودولية اقتضت إعادة النظر في موقف الهند إزاء إسرائيل.

من ناحية مشهد التسوية الرسمية العربية والتي بدأتها مصر باتفاق كامب ديفيد والمعاهدة المصرية الإسرائيلية في عام 1979، واعتراف مصر بإسرائيل وتبادل العلاقات الدبلوماسية معها، وبعد ذلك وعقب انتهاء حرب الخليج الثانية ضد العراق قبل العرب مجتمعين صيغة مؤتمر مدريد وإطار التفاوض الثنائي والتفاوض متعدد الأطراف بهدف التوصل لاتفاقيات سلام وفق القرار 242 و338.

وكذلك انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكية في شرق أوروبا والذي كان حليف الهند ومصدر تسليحها حتى ذلك الحين، وفي الوقت ذاته فإن الولايات المتحدة الأميركية والحديث عما أسمي النظام العالمي الجديد قد فرضا مزيداً من القيود على الانتشار النووي والتكنولوجيات المتقدمة؛ للحؤول دون تملك بعض القوى والدول لهما وانطبق ذلك على الهند التي كانت تطور مشروعها الوطني لتحديث الدفاع وتعزيز أمنها الوطني.

وكان الاعتراف بإسرائيل وإقامة العلاقات معها وتدعيم التعاون بين البلدين في المجال العسكري والسياسي والاقتصادي والتكنولوجي مخرجاً واقعياً لتطوير وتحديث الدفاع الهندي وتعزيز المصلحة الوطنية الهندية وإعادة بناء الموقف التقليدي الهندي إزاء إسرائيل خاصة وأن الدول العربية ذاتها أو بعضها قامت بالفعل بتغيير موقفها إزاء إسرائيل، فالهند ليست ملكية أكثر من الملك، وأدركت الهند بحكم خبراتها وحساسياتها السياسية أن إسرائيل هي المدخل إلى التعاطف الغربي، وبوابة الحصول على مستلزمات تطوير أبحاث الدفاع الهندية.

 

 

Email