ليس مجرد رئيس

ت + ت - الحجم الطبيعي

أتابع باندهاش ما يكتبه البعض هذه الأيام تعقيباً على قسم الرئيس السيسي بأنه لن يبقى دقيقة واحدة في موقع الرئاسة إذا ما كان ذلك مطلباً مصرياً.

لا شك أن من تختلف رؤيتهم عن رؤية الأغلبية الساحقة من الشعب قد حاولوا قلب المعايير التي استقرت في الضمير العالمي منذ قرون، وأعني بها، اختيار قائد للدولة، خاصة في اللحظات الحرجة التي تواجه الوطن، أو عندما يكون في مفترق طرق، أحدهما طريق السلامة والآخر طريق الندامة.

لقد فوض الشعب إرادته على السيسي وحمله عبء الخروج بمصر من عنق الزجاجة الذي تم ادخالها فيه بعد ثورة شعبية حقيقية، تمت سرقتها والوثوب على الحكم بأغرب الوسائل وأكثرها تدليساً وخداعاً.

كانت البلاد، إضافة إلى الخراب الداخلي، شبه محاصرة بمخاطر التفتيت، ولم يعد مخطط تمزيق الوطن العربي إلى دُويلات عرقية وطائفية بالأمر الخافي، وهو ما جعل ما بين خمسة وثلاثين إلى أربعين مليون مواطن، يخرجون إلى الشوارع معلنين رفضهم القاطع لتقسيم مصر إلى دويلات، وهي التي ظلت بحدودها الواحدة، الموحدة، منذ آلاف السنين، واستدعت جماهير ثورة يونيو، قواتها المسلحة، درعها الأمين المكون من أبنائها وأشقائها، إلى الالتحام بها لحماية أم الدنيا، وهو ما حصل على مرأى ومسمع من العالم أجمع، وإن كان ذلك المشهد الفريد والملحمي، لم يمنع أعداء وحدتنا الوطنية، من وصف يونيو بالانقلاب، وقد أُجريت انتخابات رئاسية حصل فيها السيسي، على شبه إجماع أصوات الناخبين.

معروف أن من أولوا السيسي ثقتهم، كانوا مشفقين عليه من ثقل المسؤولية ودقة الظرف الذي لم يسبق أن واجهته مصر طوال تاريخها، ولكنهم عقدوا العزم على مساندته للخروج، معه وبقيادته، بالوطن إلى بر الأمان.

لقد أثبت السيسي طوال الشهور الماضية، أنه يفعل ما يقول، وكلما حقق إنجازاً، أخذوا يولولون، وينتقدون ما يتم من مشروعات باعتبارهم من النخبة الرفيعة من علماء الاستراتيجية وخبرائها، وكان الرجل يمضي، مسلحاً بثقة الجماهير، في طريقه المحفوف بفساد عقود وتجريف ممنهج للوطن وتفشي المفاهيم الوافدة، والتي تكالبت كل الجهود الشريرة لإشاعتها، بهدف بث الفرقة بين المصريين، وفرزهم إلى مسلم ومسيحي، وهو المشروع البريطاني الآثم منذ الاحتلال الكئيب، واتساقاً لهذا النهج، العلني أحياناً والخبيث الخفي، أحياناً أخرى، ترددت النصائح القاتلة، تطالب السيسي بعدم ترشيح نفسه لولاية ثانية، وهذه أغرب نصيحة، يدعي مطلقوها، أنها «حباً» في الوطن وتكريساً لمفهوم الديمقراطية وقيمتها، وديمقراطيتهم هنا، تقلب المعايير رأساً على عقب، فتطالب رئيساً حمل رأسه على كفه وواجه حكم الفاشية المتسترة بالدين، وعمل منذ اليوم الأول لرئاسة الدولة على إنجاز مشروعات تساعد مصر على الخروج من حالة التردي التي وصلت لها، وسط حروب داخلية من الإرهابيين وأسيادهم في الداخل، وحرب تفتيت دول الإقليم، لا سيما تلك المتاخمة لمصر، على يد القوى التي تريد تغيير خريطة الوطن العربي، بتحويله إلى «الشرق الأوسط الكبير» كما بشرتنا كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية في عهد بوش الابن.

ولا أفهم، كيف يطلب من قبطان قاد السفينة رغم الأنواء والعواصف، بأكبر قدر من الحكمة وبما تيسر من إمكانات شديدة التواضع، وفي ظل حروب السماسرة برفع الأسعار ارتفاعاً مسعوراً، واستمرار العمليات الإرهابية التي تستهدف جيش مصر وشرطتها وتقسيم أبنائها بين مسلم ومسيحي، كيف إذاً يطلب من هذا القبطان الحائز على ثقة الأغلبية الساحقة، أن يتركنا في منتصف الطريق، وأن يأتي شخص لم يقدم أدنى دليل على صلاحيته، لنسلمه القيادة، حتى «نحقق الديمقراطية!!».

من هنا يطالبنا هؤلاء أن نعاقب القائد الناجح والمنتخب بأغلبية مطلقة، للدخول في تجربتهم الخبيثة، ولا أجد وصفاً آخر، فنحن في لحظة فارقة، نكون أو لا نكون، من دون نظريات مكتوبة بحروف أجنبية.

Email