مئة عام من الاستعمار

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشهد عام 2017 في الثاني من نوفمبر القادم، اكتمال مئة عام من استعمار فلسطين بعد صدور الوعد المشؤوم «وعد بلفور» في الثاني من نوفمبر عام 1917 الذي ارتبط صدوره باسم أرثر جيمس بلفور وزير خارجية المملكة المتحدة البريطانية آنذاك، والمؤكد أن هذا الوعد سيظل مشؤوماً في ذاكرة جيلي وأجيال عديدة من المواطنين العرب.

النواة التي أرساها ذلك الوعد في الواقع الفلسطيني التي تمثلت في التعاطف والتأييد «لإنشاء وطن قومي لليهود» في فلسطين، تطورت عبر هذه الأعوام المئة من مجرد السماح والتشجيع على هجرة اليهود إلى بناء دولة إسرائيل واحتلال ما تبقى من فلسطين التاريخية تحت الانتداب وتأسيس نظام للفصل العنصري دون أن يحمل هذا المسمى.

ولكنه واقعياً وقانونياً يندرج في إطار نظام «الأبارتهايد» بما يحمله من قوانين تمييزية وعنصرية ومواطنات غير متساوية وغير متكافئة وإمكانيات وقدرات عسكرية تؤمن له التفوق في مواجهة الشعب الفلسطيني بل والمحيط العربي في أي مواجهات مقبلة.

حظيت هذه النواة المؤسِّسة لدولة إسرائيل التي ازدهرت في فلسطين وعلى حساب شعبها بالرعاية والتأييد والدعم العسكري والتكنولوجي الغربي طوال هذه العقود، والأهم من ذلك هو الدعم السياسي والمعنوي في المحافل الدولية والمنظمات الدولية.

ارتبط وعد بلفور باسم صاحبه وزير خارجية المملكة المتحدة البريطانية، ولكنه في الواقع كان تعبيراً عن تواطؤ القوى الكبرى آنذاك.

وفي الخامس والعشرين من أبريل عام 1920 وافق المجلس الأعلى للحلفاء في مؤتمر سان ريمو على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ وفق المادة الثانية من صك الانتداب.

وفي 24 من يوليو عام 1922 وافق مجلس عصبة الأمم على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 أبريل عام 1923، ومما يجدر ذكره أن عصبة الأمم كانت قد أكدت أهلية الإقليم الفلسطيني للحكم الذاتي وتقدمه في المرتبة التي تؤهله لذلك على كثير من الأقاليم.

الأصل في الانتداب وفق النصوص المعلنة هو أن تقوم الدولة صاحبة الانتداب برعاية الإقليم الموضوع تحت انتدابها حتى يصل إلى الحكم الذاتي أو الاستقلال وأن تقدم لهذا الإقليم المساعدة الفنية والإدارية اللازمة للوصول إلى هذه المرحلة، بيد أن المفارقة أن إقليم فلسطين لم يقدر له أن يسير في هذا الاتجاه.

بل في الاتجاه المخالف والنقيض أي بصدور؛ «وعد بلفور» قامت بريطانيا الدولة المنتدبة برعاية وتسهيل وتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين على حساب الوجود الفلسطيني وعرقلة تطوره، وهو الأمر الذي يجعلنا نقول إن بريطانيا قد «خانت الأمانة» أي سلمت الإقليم الموضوع تحت انتدابها ورعايتها للصهيونية في خرق واضح للقواعد والمبادئ الأخلاقية والقانونية.

الذكرى المئوية «لوعد بلفور» تستحق أن تكون بداية لانطلاقة جديدة للقضية الفلسطينية، على الأقل من زاوية اختبار الخطاب الدولي المناهض للعنصرية والمؤيد لحقوق الإنسان وإدراج القضية الفلسطينية في الفعاليات والمؤسسات والأطر الحكومية الدولية وغير الحكومية المناهضة للعنصرية والتمييز.

وتقديم صورة جديدة للقضية الفلسطينية للعالم من خلال رفض العنصرية الإسرائيلية والتمييز العنصري الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وهذا الأمر يتطلب اندماج المجتمع المدني والعربي في فلسطين والعالم العربي في إطار المنظمات المدنية العالمية والدولية ونسج شبكة من العلاقات مع الناشطين الحقوقيين في هذه المنظمات كبداية لمثل هذه الانطلاقة.

وعلى صعيد آخر فلا بد من مطالبة المملكة المتحدة بالاعتذار للشعب الفلسطيني عن هذه الخطيئة وهذا الوعد والتعويض عن ذلك، يترافق مع هذه المطالب بالاعتذار والتعويض مطالبات بالمقاطعة الشعبية والرسمية لإسرائيل من قبل الحكومات والهيئات الحكومية والمنظمات المدنية والشعبية والأكاديمية.

 

Email