الإمارات دار الإحسان

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتنافس الدول والشعوب في ميادين كثيرة، ومن أهمها ميدان العمل الخيري، لأثره العظيم في واقع المجتمعات، ونفعه العميم في إغاثة الملهوفين، ونجدة المحتاجين، وتحسين الظروف المعيشية للفقراء والمساكين، والارتقاء بمستويات التنمية، ومكافحة الفقر والمرض وغيرها من المشكلات التي تواجه المجتمعات الإنسانية، وقد حققت دولة الإمارات إنجازات عظيمة في هذه الميادين، وساهمت بأعمال جليلة، كتبها التاريخ بمداد من نور، جعلتها في صدارة الدول المانحة للمساعدات، وضمن المراتب الأولى بين أكثر الدول عطاء على الساحة الدولية، لتكون بحق دار الخير والإحسان.

ولم تأت هذه الإنجازات من فراغ، بل هي نابعة من قيم وشيم المجتمع الإماراتي الأصيل، ومبادئه الإسلامية والعربية والمحلية، ومن قيم زايد الخير والعطاء طيب الله ثراه، الذي رسَّخ منهاجا إنسانيا عظيما في التعامل مع المال والثروة، ينطلق من أساسين مهمين: الأول: أن الثروة وسيلة لتحقيق السعادة ورفع الألم، والثاني: أن الله سبحانه وهب الإنسان الثروة ليستفيد منها ويسخرها لمساعدة المحتاجين على وجه الأرض، وبهذا المنهاج الإنساني غرس الشيخ زايد رحمه الله معاني البذل والعطاء والإيثار وحب الخير، وحسن استخدام الثروة، وكافح الأنانية والاحتكار والاستئثار بالمال، مستلهما ذلك من مبادئ القرآن الكريم، قال الله سبحانه: {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه}، أي: أن الإنسان في ماله بمنزلة الوكيل، فليغتنم الفرصة بإنفاقه فيما يرضي الله، قبل أن ينتقل إلى غيره، فالمال مال الله، والعباد خلفاء الله في أمواله.

وأثمرت هذه الأسس الأخلاقية العليا في واقع أجيال الماضي والحاضر، وهي تسري في روح الوطن إلى أجيال المستقبل، حتى أصبح الإنسان الإماراتي مفعما بطاقة إيجابية عالية موجهة نحو الخير والإحسان، وفردًا عميقَ الشعورِ بمن حوله وذا عطاء متدفق من الخير والعطاء، وأضحى العمل الخيري ركيزة أساسية من ركائز مجتمع الإمارات قيادة وشعبا، وسمة بارزة من سماته، فإذا ذُكر الإحسان ذُكرت دولة الإمارات، وإذا وقعت نكبة في مكان رأيت دولة الإمارات سباقة لتقديم الإحسان، وفي مقدمة الدول المغيثة، والعمل الخيري جزء صميم من السياسة الخارجية لدولة الإمارات.

وتتميز دولة الإمارات بالاستجابة الفورية للكوارث التي تصيب البشر في أي مكان، امتثالا لقول الله: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. الذين ينفقون في السراء والضراء}، فمن أخص صفات المؤمنين المسارعة إلى الإحسان إلى الخلق بأنواع البر، ولذا كان أول صفة ذكرها الله تعالى للمتقين في هذه الآيات هي الجود والسخاء.

ويقوم الهلال الأحمر بدور فعال في تقديم المساعدات الإنسانية في مختلف دول وقارات العالم، وتنفيذ مشاريع إنسانية وتنموية كثيرة، كإقامة المخيمات للاجئين، وإنشاء العيادات الميدانية، والبرامج الصحية لتلقيح ملايين الأطفال، وبناء وترميم الطرق والمدارس والعيادات ومرافق البنية التحتية، وحفر مئات الآبار لتوفير المياه، وغيرها، وتنطلق بين الفينة والأخرى قوافل الخير من دار زايد أرض الخير والإحسان، متوجهة لمختلف أصقاع العالم، تغيث المنكوبين، وتقدم العون للمحتاجين، وتصنع جسور الخير الممدودة دون انقطاع، في أرقى صور التواصل الإنساني.

ومن الكوارث المؤلمة هذه الأيام النكبة التي حلت بإخوتنا في الصومال فرَّج الله عنهم، والتي جعلتهم مهددين من المجاعة نتيجة الكوارث والفتن التي جرَّت إلى محن، وقد سارعت دولة الإمارات إلى تلبية نداء الإنسانية لإغاثتهم، ورفع المعاناة عنهم، فأطلقت حملة «لأجلك يا صومال»، وتكاتفت مؤسسات الدولة الإعلامية والدينية وغيرها لخدمة هذه الحملة، ولاقت استجابة كبيرة كالعادة من المجتمع الإماراتي الذي لا يتردد في مد أياديه البيضاء، لإعادة البسمة إلى الشفاه المحرومة.

وقد حاول الإرهابيون أعداء الخير أن يطفئوا نور الإحسان بظلام إرهابهم، بالاعتداء على القوافل الإنسانية، ومنها قافلة الهلال الأحمر الإماراتي في مقديشو، متجردين من جميع القيم، مستخفين بأرواح الناس وحياة الملايين من البشر، ظانين أنهم بذلك سينجحون في ثني أهل الفضل عن إحسانهم، ولكنهم خابوا وخسروا، فالإمارات ماضية بعزم في مشاريعها الإغاثية، وأهدافها الإنسانية، ضاربة أروع الأمثلة في البطولة الحقيقية في ميادين البذل والعطاء، مؤكدة أن الأعمال الإرهابية لن تثنيها عن مد يد العون والمساعدة للمحتاجين.

وهذه الحوادث الأثيمة تؤكد أن أعمال الخير إلى جانب أثرها في معالجة المشكلات الاقتصادية والكوارث والنكبات فهي وسيلة ناجعة لمكافحة الإرهاب والتطرف، من جهات عدة، فهي تساهم في القضاء على بيئات الفقر التي تساعد على نمو الإرهاب، وإيجاد فرص عمل للشباب والقضاء على البطالة، وضخ طاقات الأمل والإيجابية في نفوسهم، وإنقاذهم من براثن اليأس والإحباط، وحمايتهم من استغلال التنظيمات الإرهابية لظروفهم المادية ومعنوياتهم الضعيفة، لذا فإن الإرهابيين أعداء للأعمال الإنسانية، لأنها تُفشل مخططاتهم، كما إن العمل الخيري يحقق التواصل الإيجابي بين الشعوب على أساس حب الخير للغير، وتسخير نعم الله في خدمة عباده في الأرض، وتعزيز التعايش والسلام والتعاون الحضاري، ونبينا عليه الصلاة والسلام يقول: «أحب الناس إلى الله أنفعهم».

والمساهمة في الحملات الوطنية الإنسانية مسؤولية الجميع، كلٌّ بحسب استطاعته، لننال جميعا السعادة في الدنيا والأجر المضاعف في الآخرة، قال سبحانه: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم}.

Email