براغماتية الإخوان وأيديولوجيتهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

نشأت جماعة الإخوان في مصر على يد حسن البنا عام 1928م، وجمعت بين أفكار أيديولوجية متطرفة، ونهج براغماتي في العمل والتنفيذ، تستند إلى أن الغاية تبرر الوسيلة، طالما أن الغاية تحقق مصالح الجماعة.


تقوم الأيديولوجية الإخوانية على أمور عدة، منها الغلو في فكرة الخلافة، واعتبارها فريضة العصر، والغلو في الحُكم، واعتبار الوصول إليه الواجب الأكبر، والغلو في السياسة، واعتبار الخوض فيها فرضاً على كل مسلم، والغلو في الحاكمية، وتكفير الحكومات بدعوى أنها لا تحكم بما أنزل الله، وتجويز العنف لإسقاط الأنظمة، وغير ذلك.


تفكيك هذه الأيديولوجيات يتطلب خطاباً دينياً معتدلاً واعياً، يفند الشبهة بالحجة، ويبين مواطن الخلل بالأدلة والبراهين، ويصحح التصورات، كما يتطلب خطاباً ثقافياً واعياً وإعلاماً مسؤولاً، لاحتواء الشباب، وحمايتهم من الغزو الفكري الإخواني الدخيل.


مظاهر براغماتية الجماعة كثيرة، تبتدئ من مرحلة التكوين، واستعمال مختلف الوسائل للتغلغل في المجتمع، وخداع السلطة، فقد تدرج البنا في نشاط الجماعة، فابتدأ بها كجمعية اجتماعية بالإسماعيلية، تحظر على نفسها العمل السياسي، بموجب المادة (2) من قانونها، وبذلك استطاع البنا خداع السلطة والتحايل على القانون للحصول على ترخيص، وبعده بخمس سنوات وبالتحديد في عام 1935م ألغى البنا المادة (2) من قانون الإخوان، كخطوة تمهيدية لما بعدها، دون التصريح بالنهج السياسي للجماعة، وكان يوازي ذلك نشاط كبير في تقوية الجبهة الداخلية للجماعة، فأسس البنا في سبتمبر 1937 نظام الكتائب، وهو تجمع عضوي لمجموعات الإخوان، كل كتيبة تتكون من 40 فرداً يجتمعون مرة كل شهر، وبعد أشهر من إنشاء هذا النظام الداخلي بدأ أول نقطة تحول علني في نشاط الجماعة، وذلك في مؤتمر الطلاب الأول الذي عُقد في فبراير 1938م، فقد كشف البنا فيه النهج السياسي للجماعة، ومثَّل هذا المؤتمر منعطفاً تاريخياً في عمل الإخوان، وبعده بشهرين ونصف تم إصدار مجلة «النذير» اللسان السياسي الناطق باسم الجماعة، واستمر البنا في الوقت نفسه في تقوية الجبهة الداخلية، فأنشأ عام 1943 نظام الأسرة (الخلايا السرية)، وفي سبتمبر 1945م أدرج البنا النشاط السياسي رسمياً في القانون الأساسي للجماعة.


هذا العرض التاريخي يكشف الخطورة البالغة لهذه الجماعة، وتفننها في التمويه وخداع المجتمع والسلطة والقانون، فالجماعة شقت طريقها كجمعية اجتماعية تحظر على نفسها العمل السياسي، لتنتهي بجماعة سياسية وتنظيم سري خطير، مما يُفقد الثقة بهذه الجماعة تماماً.


ومن براغماتية الجماعة استعمال العنف، وهو لديها مؤصَّلٌ أيديولوجياً وبراغماتياً، فمن الناحية الأيديولوجية يقوم فكر الجماعة على تحريف الجهاد، وتجويز العنف المسلح ضد النظام، بدعوى الكفر تارة، والظلم تارة أخرى، وأما النهج البراغماتي للجماعة فيعطيها شرعية التوسُّل بالعنف لتحقيق المصالح، وللجماعة تاريخ من الدم منذ أيام البنا، وانبثقت منها أجنحة عسكرية واتجاهات تجاهر بالعنف، ومن أمثلتها المعاصرة في مصر جناح القيادي محمد كمال عضو مجلس الإرشاد، والمعروف بجناح القيادات الشبابية، الذي تشكل بعد سقوط مرسي، وهو يقوم على تكفير النظام، والمواجهة المسلحة ضده، وقد أصدر الجناح في يناير 2017 بياناً يبرر فيه استخدام السلاح والعنف الموجه (الاغتيالات والتفجيرات وأعمال التخريب)، وكشف مجدي شلش عضو اللجنة الإدارية العليا للإخوان أن محمد كمال أسس الجناح على فكرة المقاومة، والتي تعني استعمال العنف والعمليات النوعية ضد النظام.


بينما يدعي الجناح التقليدي للجماعة أنها ذات نهج سلمي، وهو كلام لا قيمة له، فهذا الجناح بحد ذاته معروف بدفاعه المطلق عن سيد قطب داعية العنف المعاصر، وقد أعلن قياداته ممثلة في محمد بديع ومحمود عزت ومحمد مرسي عام 2009 في قناة الفراعين دفاعهم المستميت عن قطب، وكان من ثمرات ذلك فعلياً ظهور أجنحة العنف المعاصرة التابعة للإخوان.


من مظاهر براغماتية الجماعة عقد مفاوضات وتحالفات مع أحزاب وتنظيمات وأجهزة مخابرات وبرلمانات غربية والاستقواء بالخارج لتحقيق أهدافها، ومن براغماتيتها في ذلك تقديم التنازلات إلى درجة الوقوع في التناقضات، فالإخوان يتظاهرون بأنهم أبطال الفضيلة، ويرفعون شعار الإسلام هو الحل، بينما نراهم إذا جدَّ الجد لا يمانعون من الشذوذ الجنسي والإلحاد، وبيع الخمور، ولبس النساء ملابس البحر، كما أن الجماعة تُظهر معاداة إسرائيل، بينما نجد مرسي عندما كان في السلطة يرسل خطاباً للرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز، مستفتحاً بعبارة «عزيزي وصديقي العظيم»، ومختوماً بعبارة «صديقكم الوفي محمد مرسي»، ومشتملاً على رغبة في تطوير العلاقات بين البلدين.


من براغماتية الجماعة كذلك استخدام مختلف الوسائل لمعارضة الحكومات من جهة، والوصول إلى السلطة من جهة أخرى، باستخدام وسائل الضغط المعاصرة كالمظاهرات والاعتصامات والعصيان المدني، واستغلال التجربة الحزبية لتداول السلطة في بعض البلدان، لتكوين أحزاب سياسية والوصول إلى سدة الحكم.


إلى غير ذلك من صور براغماتية الجماعة، والتي تتطلب استراتيجيات نوعية لمواجهتها، ترتكز على جوانب عدة، منها تطوير القوانين، وتطبيقها دون تهاون، وإصلاح الخطاب الثقافي، وتنقيته من المخرجات السلبية، وتنقية التعليم والإعلام من هذه المخرجات، وإعادة النظر في التجربة الحزبية التي أثبتت خطرها، لكونها تمكِّن الأحزاب المتشددة واليمينية المتطرفة في الشرق والغرب من التمدد في المجتمعات، والتلاعب بمصائر الدول والشعوب.

Email