وبدأت الحرب على الفساد

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتابع الرأي العام باهتمام شديد، مصحوباً بالأمل والفرحة، أنباء نجاح الرقابة الإدارية في مصر بالقبض على عدد من المرتشين وتقديمهم للمحاكمة لنيل الجزاء المستحق والواجب.لقد هالنا جميعاً أن تصل الرشاوى إلى مئات الملايين من الجنيهات وهو انعكاس لما وصلت إليه الأوضاع، حيث المعاناة من الفقر، وإلا ما قامت ثورتان في غضون سنتين.

من أوضح تجليات توحش الفساد أن يدفع محافظ حلوان الأسبق مليوني جنيه كفالة للإفراج عنه بانتظار محاكمته.

كم مليوناً حصدها هذا الرجل إذن أثناء شغله لوظيفة، صُنفت بالمحافظ، والذي كان من واجبه الحفاظ على أبناء المحافظة ؟.

كنت قد أشرت مرة إلى ضرورة ألا نكتفي بقانون «من أين لك هذا» فقط، بل علينا أن نضيف بحسم.. «كل هذا».. فلو أن هذا المحافظ، وغيره، كانوا قد وضعوا كل مرتباتهم في حصالة، ما كان بإمكانهم تجميع واحد على مليون مما ضُبط بحوزتهم، وهو ما يكشف عن أن الأمور كانت تسير بلا رقيب أو حسيب، لأن الفساد ممتد.

بعدما بدأت الرشاوى بعشرات الجنيهات في أعقاب عصر الانفتاح، الذي ترك الأسعار تحلق عالياً، أخذت ظاهرة فتح الدرج تنتقل من خطوة إلى أخرى، ومن مستوى الى آخر، بسرعة مذهلة، حتى استشرت كالوباء القاتل في كافة مفاصل المؤسسات.

لا شك أن تضخم الجهاز الإداري في مصر أثقل كاهل المواطن، خاصة الفقير، الذي يتعب للحصول على اي وثيقة مطلوبة منه من الجهة الإدارية المختصة.

بالطبع كان التطلع إلى مبالغ تصل إلى الملايين في المجالات التي تدر عائدات كبيرة أو تلك التي تنقل مواطناً متوسط الحال إلى أعلى درجة في سلم الثراء، وأبلغ مثال على ذلك، الاستيلاء على أراضي الدولة، أو التربح من الإعفاءات الجمركية، أو صوامع الغلال، أو الأدوية، أو الأغذية المنتهية الصلاحية، والقائمة تطول بصورة مفزعة.

من هنا ساد الشعور بالارتياح والتفاؤل والأمل، بأننا أخيراً سنطهر الوطن من الأمراض القاتلة التي ألحقها به منعدمو الضمير، ولا شك أن جهود الرقابة الإدارية في مطاردة هذا السرطان المتوحش، تستحق الإشادة ولكن ما قد يقضي على الفساد المستشري، هو ميكنة الجهاز الإداري، فقد جرى تعميم التكنولوجيا الحديثة في معظم دول العالم ومن حق مصر أن تواكب العصر، فيتعامل المواطن مع الآلة، للحصول على ما يريد عنه من مستندات، لأن الآلة لن تشير بنفس النظرات الوقحة إلى الدرج المفتوح، طلبا للمال.

المفروض أن تشرع الدولة في ميكنة الجهاز الإداري، فوراً، ورداً على المتباكين على مصير أعضاء جهاز البيروقراطية العتيدة، فإن الرد الواقعي، هو أن أضرار استمرار البيروقراطية التي تتقاذف المواطن، من مكتب إلى مكتب، ومن موظف الى آخر، فيضيع وقت أصحاب الحاجة، ونتفنن في خلق المصاعب لأغراض شتى، بحيث يدفع صاحب الحاجة، المعلوم، حتى يحصل على الوثيقة إضافة الى تكاسل البعض في تقديم الخدمة الواجبة والتي يحصل على أجر مقابل أدائها، وذلك اكثر فائدة للوطن والمواطن، حتى لو استمرت الدولة في دفع الرواتب لفترة من الزمن، إلى أن يعاد تسكين هؤلاء في أماكن تصعب فيها الرشوة.

ما يهدره الفاسدون من أموال طائلة للدولة، أكثر بمئات الأضعاف، بالتأكيد، مما سيتقاضاه الموظفون المسرحون، وتحديث الجهاز الإداري باستخدام أدوات العصر، سيرفع بلا شك عن كاهل المواطن، المتاعب التي يعاني منها، وإذا كانت نسبة الأمية المرتفعة، قد تشكل صعوبة لمن يعانون منها، فلا شك انهم سيجدون المساعدة من ذويهم أو معارفهم في أدراج البيانات بالحاسوب الالكتروني.

من جهة أخرى فسوف يكون هذا التحول، بلا شك، عاملا محفزاً لمحو الأمية، إضافة إلى انه أمر لا بد منه، تقتضيه ضرورات العصر، فلتبدأ الدولة ولو خطوة، لأن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة.

Email