وماذا بعد نسف حل الدولتين؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

على غير العادة انعقد المؤتمر الصحافي للرئيس الأميركي، ورئيس وزراء الكيان الصهيوني نتانياهو، في البيت الأبيض الأميركي، قبل إجراء المباحثات بينهما وليس بعدها!

وربما كان ذلك للتدليل على أن التفاهم كامل بين الرجلين منذ البداية، وأن المباحثات بينهما ستكون ترجمة لهذا التفاهم وتعميقاً لهذه العلاقة، خاصة أن الرئيس الأميركي قد أعلن تغييرات أساسية في الموقف الأميركي الثابت منذ سنوات من قضايا أساسية بالنسبة للقضية الفلسطينية والصراع العربي – الإسرائيلي.

حيث أعلن أن الاستيطان لا يعرقل عملية السلام وإن طلب من إسرائيل عدم التوسع فيه، كما أعلن عدم الالتزام بحل الدولتين، بل بما يتم الاتفاق عليه بين الجانبين في مفاوضات مباشرة ومع تنازلات متبادلة، بالإضافة طبعاً إلى الإعلان عن الوعد بنقل السفارة الأميركية إلى القدس..

وهو الأمر الذي يستعجله نتانياهو نفسه.. إدراكاً بآثاره السلبية الكبيرة، وسعياً للمزيد من الابتزاز لأميركا وتقاضي ثمن تأجيل نقل السفارة بمضاعفة المساعدات، والسكوت على الاستيطان.

وفي المؤتمر الصحافي كان لافتاً أن الرئيس الأميركي، رغم المواقف السابقة، بدا متفائلاً بإتمام ما يجب أن يسميه بالصفقة الناجحة التي تحقق السلام، ملمحاً إلى أن ذلك يمكن أن يتم على نطاق أوسع وبغطاء إقليمي.

الوضع الطبيعي المفترض هو أن يكون الرئيس الأميركي في مرحلة دراسة، تمهيداً لإقرار سياسات واضحة في القضايا الدولية، خاصة أنه كان بعيداً عن الاهتمام بها وبالسياسة عموماً قبل الانتخابات.

بالإضافة إلى أنه جاء من خارج المؤسسة الحزبية، وخاض الانتخابات بلا برنامج محدد مكتفياً بالشعارات العامة، واستثمار الانقسامات الداخلية والنزعات العرقية وحشد التيارات اليمينية وراء لافتة «أميركا أولاً»، دون طرح سياسات أو برامج محددة.

عدم وجود سياسات واضحة أو رؤية مسبقة للتعامل مع القضايا الخارجية، مع اضطراب الأوضاع داخل الإدارة الجديدة التي لم يتم استكمال طواقمها بعد، ترك العالم كله في حالة ترقب بدءاً من الجيران في المكسيك وكندا، إلى الحلفاء في أوروبا التي أعلن ترامب، أنه لا يفضلها متحدة، إلى الصين، التي تنتظر حرباً تجارية على الأقل، ثم إلى العالم الإسلامي الذي يدفع ثمن الخلط المتعمد بين الإرهاب وبين عامة المسلمين الذين يعرفون جيداً أن دينهم هو رسالة المحبة والسلام بين كل الشعوب.

لكن المفاجئ هنا أن الرئيس لم يترك فرصة للدراسة والفهم لأعقد قضايا المنطقة، وأن إسرائيل وأنصارها في أميركا لم يتركوا أيضاً له هذه الفرصة، فكان قرار تعيين صهره اليهودي المتعصب في ولائه لإسرائيل مبعوثاً لتحقيق السلام وتسوية النزاع العربي – الإسرائيلي، ثم كان الموقف من المستوطنات مع الوعد بنقل السفارة.

وصولاً إلى التخلي عن الالتزام بحل الدولتين الذي كان – وما زال – إنقاذاً لإسرائيل وتحقيقاً لأمنها واستقرارها، قبل أن يكون في صالح الفلسطينيين الذين ارتضوا – بهذا الحل – أن يكون لهم 22% فقط من أرض فلسطين مقابل أن يتحقق السلام، وأن يكون لهم وطن ينهي سنوات التشرد واللجوء.

البديل عن حل الدولتين، هو حل الدولة الواحدة الديمقراطية التي تعطي لكل المواطنين على أرض فلسطين حقوقهم الكاملة، فهل هذا هو الحل الذي ستطرحه الإدارة الأميركية، وهي تبارك الدعاوى الزائفة والمسمومة من نتانياهو بضرورة اعتراف الفلسطينيين - والعرب بالطبع - بيهودية الدولة، وهل يدرك «ترامب» ومبعوثه «العائلي» أن هذا هو الطريق لإشعال المنطقة ولضياع مصالح أميركا ومستقبل إسرائيل قبل أي شيء آخر؟!

ما يمكن أن يجمع العرب وأميركا الآن - بعد كل الأخطاء التي ارتكبتها الإدارات الأميركية السابقة، أمران أساسيان هما، الحرب الشاملة على داعش وأخواتها من المنظمات الإرهابية وفي مقدمتها «الإخوان» ثم التصدي للمد الإيراني الذي يهدد استقرار المنطقة ويشعل حروب الطوائف، ويعادي العروبة ويتحالف مع كل من يعاديها أو يسيئ إليها أو لصحيح الإسلام.

والأسئلة هنا كثيرة.. فهل تفجير الموقف في فلسطين بهذه الطريقة يمكن أن يخدم هذه الأهداف، أم أنه سيقود المنطقة إلى المزيد من التطرف؟

وهل يمكن أن تقف أميركا مع إسرائيل في مواجهة العالم كله الذي يرفض هذا الاحتلال الصهيوني الاستيطاني – ويؤكد دعمه للدولة الفلسطينية - ويدعم المطالبة بمحاكمة زعماء إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية باعتبارهم مجرمي حرب؟!

وهل ستؤيد أميركا يهودية الدولة كما يطلب نتانياهو لكي يطرد مليوناً ونصف المليون عربي من موطنهم، لأن ابنة ترامب اعتنقت اليهودية وأصبح زوجها المساهم في بناء المستوطنات هو مندوب أميركاني لتحقيق السلام في المنطقة وتسوية الصراع العربي - الإسرائيلي؟!

وبعيداً عن حالة الفوضى التي تسود الإدارة الأميركية الآن، وإلى أن تستقر الأوضاع في البيت الأبيض، على الفلسطينيين أن يتحملوا مسؤوليتهم في تحقيق وحدتهم.

،وعلى العرب أن يواصلوا السعي لتوضيح الحقائق أمام الإدارة الأميركية الجديدة، ولتعميق العلاقات مع باقي دول العالم (وفي المقدمة أوروبا وروسيا والصين) وكلها ترفض النهج الأميركي – الإسرائيلي - وتنحاز لحل الدولتين لمنع انفجار الموقف في منطقة لا تحتمل المزيد من اشتعال النيران.

 

Email