مأساة اللاجئين السوريين وجهود التسوية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لايجد المهاجرون السوريون إلى دول الجوار الجغرافي غالباً ترحيباً كبيراً بمجيئهم لأن معظمها يعاني من أزمات اقتصادية حادة بما في ذلك لبنان الذي يشكو من أعباء مليون مهاجر سوري على اقتصاده الوطني، وتركيا التي بلغ عدد المهاجرين السوريين إليها ما يقرب من ثلاثة ملايين.

ولهذه الأسباب لقي اقتراح الرئيس الجمهوري ترامب بإنشاء مناطق عازلة داخل سوريا تأييداً جارفاً في تركيا ولبنان ومعظم الدول الأوروبية ولم يعترض على الاقتراح سوى إيران وسوريا وروسيا تضامناً مع النظام السوري.

من المؤكد أن هجرة السوريين بهذه الأعداد الضخمة شكلت الدافع الأهم لتنامي نفوذ الأحزاب الشعبوية يميناً ويساراً في أوروبا التي ترفض العولمة وحرية التجارة دون حدود كما ترفض الهجرة وسيطرة الاتحادات والتكتلات الدولية على مصائر الشعوب، وترى في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رغم انف حكومتها تصحيحاً لتوجهات تمليها أحزاب تقليدية تحكمها أقليات سياسية تخدم مصالحها بأكثر مما تخدم مصالح شعوبها.

برغم التعاطف الواسع الذي يلقاه الشعب السوري من معظم دول المجتمع الدولي التي تتوق إلى إنهاء الحرب السورية،لاتزال جهود التسوية السياسية تتعثر رغم التزام الحكم والمعارضة بوقف إطلاق النار!.

جزء من المشكلة يعود إلى فشل جهود التنسيق المشترك بين روسيا والولايات المتحدة خلال فترة حكم اوباما الأخيرة رغم لقاءات وزيري الخارجية لافروف وكيري المتعددة إضافة إلى كثرة التدخلات الدولية وتعدد الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية.

جميعهم يحمل عرائض اتهام بعشرات الجرائم التي ارتكبها نظام الحكم في حق الشعب السوري،ابتداء من استخدام القوة المفرطة في مواجهة مظاهرات سلمية تطالب بالتغيير وتصحيح أخطاء الحكم،إلى قوائم اتهامات أخرى من مؤسسات دولية ترعى حقوق الإنسان أهمها امنسيتي التي اتهمت بشار الأسد بتنفيذ حكم الإعدام شنقاً في عدد من المعارضين يتراوح بين خمسة آلاف و13الف معارض.

مع أن الولايات المتحدة كانت ضمن هؤلاء إلا أن نجاح الجيش السوري في استعادة أجزاء واسعة من الأراضي السورية تحتلها داعش وغيرها من المنظمات المتطرفة زاد من فرص بقاء بشار الأسد في السلطة ودفع واشنطن إلى أن تغير موقفها وتعلن إمكان بقائه في الحكم طوال الفترة الانتقالية وحتى موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الجديدة.

لكن ثمة قدراً أكبر من التوافق الدولي على ضرورة الحفاظ على الدولة السورية لأن انهيار الدولة السورية يفتح الباب لحروب طائفية بلا نهاية، ويؤثر على استقرار كل جيرانها وبينهم العراق ولبنان والأردن..،وأظن أن هذا هو الدرس المستفاد من كارثة العراق تحت سلطة بريمر أول حاكم أميركي مدني الذي فكك الدولة العراقية بما في ذلك مؤسسات الجيش والأمن والشرطة وجميع الوزارات باستثناء وزارة البترول،وهيئ المكان لخروج منظمات الإرهاب وبينها داعش.

ما من شك أن تجميع المعارضة المسلحة في محافظة أدلب المجاورة لحلب بمن في ذلك المسلحون الذين تم إجلاؤهم من شرق مدينة حلب ومن محافظتي حمص وحماة وسط البلاد ومن كل موقع عسكري نجحت قوات الجيش السوري في استعادته،بما أحال إدلب إلى مخزن للمعارضة المسلحة يتحتم تفريغه وتدميره،وهي مهمة صعبة وضخمة نظراً لكثرة أعداد المسلحين المتجمعين في ادلب،لكنها مهمة مؤجلة إلى حين لصعوبتها الفائقة بدونها يصعب الحديث عن نهاية الحرب الأهلية السورية!.

برغم ذلك تبقى مشكلة تنسيق المصالح بين روسيا وأميركا الفاعلين الأكبر في الأزمة السورية العقبة الكبرى التي تحول دون نجاح جهود التسوية، وهذا ما تأكد على نحو واضح في مؤتمر الاستانة الأخير الذي غابت عنه واشنطن وحاول الروس خلاله رسم ملامح مستقبل الدولة السورية الجديدة من خلال مشروع دستور سوري تم إعداده في موسكو يسقط عن الدولة السورية هويتها العربية.

كما فعل دستور بريمر في العراق،ويمنع مزدوجي الجنسية من تولي مناصب الرئيس والوزراء وأعضاء المحكمة الدستورية العليا،وينص على إمكان استخدام اللغة الكردية لغة ثانية في بعض مناطق الحكم الذاتي،ويعطي للأغلبية العرقية في أي منطقة سورية حقها في استخدام لغتها إلى جوار اللغة العربية،ويمكن رئيس الجمهورية من الترشح للمنصب مرات عديدة تصل إلى سبع سنوات في الفترة الواحدة.

الواضح من ملاحظات الحكومة السورية على مشروع الدستور الذي تم صياغته في موسكو أن السوريين يرفضون الدستور الجديد بصورته الراهنة،ويؤكدون على ضرورة الإبقاء على الجمهورية العربية السورية عنواناً لدستورهم،لكن السوريين يرحبون بتوجهات موسكو الجديدة التي تؤكد على ضرورة مشاركة الأميركيين في أي جهود جديدة لإنهاء الحرب الأهلية السورية،ويقرون بضرورة العودة إلى مؤتمر جنيف وتهيئة مناخ جديد يمكن الحكم والمعارضة السورية من التفاوض المباشر.

كما يتوافق الروس وبشار الأسد على أن وجود ترامب في البيت الأبيض بموقفه الصريح من الإرهاب ورغبته الواضحة في تعاون مثمر مع الروس يمكن أن يساعد على صياغة علاقة عمل جديدة تمكن الطرفين واشنطن وموسكو من تنسيق مصالحهما بحيث يشكلان نواة لتحالف عالمي واسع للحرب على الإرهاب واجتثاث جذوره.

لأن التنسيق بين موسكو وواشنطن في الأزمة السورية بات أمراً لاغنى عنه فإن ما حدث في مؤتمر الاستانة لا يعدو أن يكون مجرد خطوة تمهيدية لاستئناف مفاوضات جنيف التي تجمع الحكم والمعارضة في حوار مباشر تشارك فيه كل الأطراف،يمكن أن تبدأ أولى جلساته قبل منتصف فبراير الحالي مع استبعاد داعش وجبهة النصرة باعتبارهما منظمتين إرهابيتين.

 

Email