ترامب ونتنياهو.. الابتزاز والحسابات الخاطئة

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلال أيام سيكون رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ضيفاً على الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، بعد طول جفاء مع الإدارة الأميركية السابقة برئاسة باراك أوباما لم يمنع من منح إسرائيل أكبر معونة أميركية في تاريخها، حيث حصلت على 38 مليار دولار تأخذها من الميزانية الأميركية خلال 10 سنوات، ويطمع نتنياهو في زيادتها لتصل إلى ستين ملياراً فقط لا غير!

ولم ينتظر نتنياهو تنفيذ وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أثناء المعركة الانتخابية بنقل السفارة الأميركية إلى القدس.. بل مضى في انتهاز الدفعة المعنوية التي أخذها من فوز ترامب بالرئاسة، وحالة الترقب التي أثارتها قراراته بعد وصوله للبيت الأبيض، وحالة الفوضى التي تسود المنطقة.. انتهز نتنياهو كل ذلك ليمضي في محاولاته لفرض أمر واقع جديد على أرض فلسطين.

تحدى نتنياهو قرار مجلس الأمن بعدم شرعية الاستيطان الذي صدر في آخر أيام أوباما، وامتناع أميركا عن التصويت، بدلا من استخدام «الفيتو» لحماية عدوان إسرائيل ومنع محاسبتها كما تعودت دائما! وتعددت قرارات حكومة نتنياهو ببناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة وداخل القدس العربية.. ليكون رد فعل الإدارة الأميركية هو التخلي عن المبدأ الذي التزمت به الإدارات المتعاقبة بإدانة الاستيطان واعتباره عقبة في طريق عملية السلام، واكتفت الإدارة الجديدة بالقول «إن وجود المستوطنات قد لا يكون عقبة في طريق السلام.. لكن التوسع فيها لن يكون مفيداً في الوصول إلى هذا السلام»!

ثم كان ما هو أخطر.. حين أقر الكنيست الإسرائيلي قانوناً جديداً يضفي الشرعية على الاستيطان، ويجعل سرقة الأرض الفلسطينية (أو ما تبقى منها) حقاً مشروعاً للإسرائيليين! وتحت اسم قانون التسوية اكتسبت آلاف الوحدات الاستيطانية المشروعية القانونية، وانفتح الباب للاستيلاء على معظم الضفة الغربية، وإعلان الوفاة الرسمية لما سمي «حل الدولتين».. وهو ما يخطط له نتنياهو، غير عابئ بالآثار الكارثية التي لن تكون إسرائيل نفسها بعيدة عنها بأي حال من الأحوال!

ورغم توالي الاستنكارات من كل أنحاء العالم، ومن الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان العالمية لما تفعله إسرائيل، فإن ردود الفعل العربية والإسلامية بل والفلسطينية الرسمية أيضاً، ما زالت تراهن على منع مخططات نتنياهو، الذي يريد أن يذهب للقاء ترامب ومعه كل أوراق الابتزاز، بما فيها القانون الأخير لسرقة الأرض الفلسطينية، الذي يلقى معارضة شديدة حتى داخل أجنحة اليمين الإسرائيلي، الذي يدرك أن معنى ذلك هو إنهاء الدولتين ووضع إسرائيل أمام العالم في وضعها الحقيقي الذي تحاول إخفاءه.. وهو وضع الدولة المحتلة الغاصبة للأراضي التي ترتكب جرائم حرب لا بد من محاكمة المسؤولين عنها.

يعرف نتنياهو ذلك، ويعرف أن إدارة ترامب منحت نفسها الفرصة، بتأكيد انتظار قرار القضاء الإسرائيلي بشأن قانون إضفاء الشرعية على سرقة الأراضي الفلسطينية، الذي من المرجح أن يكون إلغاء القانون، بعد أن يكون قد تم بالفعل فرض آلاف الوحدات الاستيطانية وعشرات الألوف من المستوطنين الجدد فيما تبقى على أراضي القدس والضفة.

ولعل الإدارة الأميركية تدرك خطورة ما يفعله نتنياهو بمحاولة فرض وقائع جديدة على الأرض، أو إشعال الموقف في منطقة لم تعد تتحمل المزيد من حرائق التعصب والإرهاب وحروب الكراهية واغتصاب الأرض.. ولعل الإدارة الأميركية تدرك أيضا أن جانباً من مخططات نتنياهو هو الضغوط بكل هذه الأوراق على واشنطن لانتزاع قرار نقل السفارة للقدس، أو تأكيد الوعد بها، ولو تأجل بعض الوقت.. وكذلك لانتزاع المزيد من المساعدات العسكرية والاقتصادية.

ولعل الإدارة الأميركية تدرك أنها إذا كانت تريد حرباً حقيقية ضد الإرهاب بكل عصاباته، وضد تمدد النفوذ الإيراني وتهديده لأمن المنطقة واستقرارها.. فإن ذلك يرتبط بردع إسرائيل ووقف محاولاتها لنسف حل الدولتين، ولتصفية القضية الفلسطينية كما تتوهم!

بين كبار معاوني ترامب من يؤيدون الكيان الصهيوني بكل قوة. ومن أعلنوا- قبل ذلك- مواقف متشددة في هذا الاتجاه. لكنهم الآن مسؤولون عن مصلحة أميركا التي يقول ترامب إنها وحدها من يحدد طريقه ويرسم سياساته.

ومن هنا فإن من يريدون مصلحة إسرائيل من كبار معاونيه، عليهم أن يدركوا أن هذه المصلحة تتحقق بالخضوع للقانون الدولي، وبمنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، ودولتهم المستقلة، وعليهم أن يدركوا أن الخضوع لابتزاز نتنياهو وعصابته اليمينة لن يؤدي إلا للكارثة التي ستدفع ثمنها أميركا قبل الآخرين، وأن نقل السفارة أو إقرار سرقة ما تبقى من الأراضي الفلسطينية أو نسف حل الدولتين، سوف يشعل ناراً في المنطقة.

وأن المستفيد الوحيد من ذلك ستكون عصابات الإرهاب.. سواء جاء من الدواعش والقاعدة والإخوان من ناحية، أو من الكتائب التي تسعى لمد النفوذ الإيراني وإشعال الحروب الطائفية في المنطقة من ناحية أخرى.

مصداقية الإدارة الأميركية الجديدة ستكون في اختبار جديد مع لقاء ترامب ونتنياهو. لن يصدق أحد أنها تحارب الإرهاب إذا تركت نتنياهو يعيث في الأرض الفلسطينية فساداً واستيطاناً!

ولن تكتسب حملتها المعلنة ضد تمدد النفوذ الإيراني المصداقية المطلوبة، إلا إذا رافقها موقف أميركي حازم من محاولات التوسع الإسرائيلي. لقاء ترامب بنتنياهو فرصة لكي نتبين جيداً المسار الحقيقي للسياسة الأميركية الجديدة في المنطقة.

إما أن تنتصر أميركا لمصالحها قبل أي شيء- كما يقول ترامب- وتقف ضد الإرهاب بكل فصائله وألوانه.. من الداعشي إلى القاعدة ومن الإخوان للحرس الثوري الإيراني، ومن ملالى طهران إلى العصابات الحاكمة في إسرائيل.

وإما أن تخضع لابتزاز نتنياهو وتنسف مصداقيتها، وتعطي لعصابات الإرهاب كل ما تحتاجه من مدد لكي تشعل المنطقة من جديد، مستغلة أخطاء كارثية ارتكبتها الإدارات الأميركية المتعاقبة، ودفع العرب -وحدهم- ثمنها الفادح، وما زالوا يدفعون!

Email