«الشباب» بين الواقع والمأمول

ت + ت - الحجم الطبيعي

يرى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أن المستقبل أمانة بيد الشباب، وأن الشباب الإماراتي هم رهاننا للمستقبل المشرق لدولة الإمارات، وتحقيق رؤيتها بالتميز والريادة عالمياً.

وبين سموه أن دولة الإمارات، بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، سباقة في توفير الدعم لشبابها وتمكينهم لإطلاق طاقاتهم وقدراتهم، والمساهمة بفاعلية في خدمة وطنهم، كما أنها سباقة في إعداد أجيال شابة مؤهلة، وقادرة على ابتكار الحلول الفعالة لجميع القضايا والتحديات، التي تواجه المجتمع.

وأوضح أن الشباب ثروة الإمارات الأغلى، والاستثمار في تنمية قدراتهم ومهاراتهم أولوية وطنية، لمواصلة مسيرة التنمية المستدامة، التي تشهدها دولة الإمارات، التي تؤمن بأن الشباب هم سر نهضتها وصناع مستقبلها، والقادرون على تحقيق أعلى المراتب، ليكونوا نموذجاً يحتذى لشباب العالم أجمع.

لقد مر الوقت الذي انشغلت فيه المجتمعات العربية بقضايا البطالة وتشغيل الشباب، وذلك رد فعل لمجريات وتداعيات «الخريف العربي» وما صاحبه، من أجل امتصاص أي ردود فعل سالبة، ثم خفت حدة تصاعد هذا الفوران الشبابي، بتطييب خواطرهم، ودغدغة مشاعرهم، وهكذا انفض سامر الشباب، وهم يحلمون بالوعود والأماني الطيبات في بلدانهم، التي اجتاحتها «ثورات الخريف العربي».

أما في دولة الإمارات حيث تلقى قضايا الشباب كل العناية، تبقى هناك حاجة ماسة للدراسة والتحليل، لإيجاد حلول لمشكلات فئة وشريحة، تشكل نحو45 في المئة من السكان.

هذه الشريحة تضم أفراداً ولدوا مع وبعد عصر النهضة الشاملة، التي أرست دعائمها قيادتنا الراشدة، مع طلائع السبعينيات، ومن ثم فإن جيل الثمانينيات شب وترعرع في أحضان نعمة النهضة والوفرة والرخاء، وعندما تحكي لهم مكابدة الآباء ومعاناة الأجداد في عصور الفقر المدقع، الذين عاشوا في ظروف مأساوية، يبدو لهم الحديث وكأنه رواية أو مسلسل خرافي، ومن نسج الخيال، وصدق من قال «لا يعرف الفقر إلا من يكابده، ولا الحرمان إلا من يعانيه».

إن جيل شبابنا ولدوا في ظروف حياة باذخة، توفرت فيها الكماليات أكثر بكثير من الضروريات، وهكذا تربى جيل كامل على حياة في منازل تعج بالخدم والحشم؛ سائقين وطباخين ومزارعين ومربيات وخادمات، وفدوا من كل شعاب الأرض، وفتحت لهم أبواب المساكن والمزارع على مصاريعها، ومع طول الإقامة والتواجد صاروا هم بحكم المعايشة شركاء وصناع قرار داخل البيوت، وفي مناخ تراجعت فيه أي أدوار للأسرة الممتدة.

وبالتالي، أصابنا وبال التشرذم، والتميع الأسري، تغيرت لغتنا، وتم تبديل مفرداتها.

أعود لأقول: إن جهوداً لا بد أن تبذل من جهات عديدة، لإيلاء قضايا شبابنا الأهمية التي تستحقها، خصوصاً في عصر العولمة والفضاء المفتوح، وهبوب رياح التغيير، التي قد تهدأ حيناً، وقد تنداح حيناً آخر.

ومن ثم فلا بد من الحيطة والحذر، في وقت أصبح الشباب يحوزون مفاصل كثير من الأشياء، ويمتلكون مفاتيح معارف نحن لم نعرف الطريق إليها، وتكفي هنا الإشارة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، التي صارت منصات وجسور عبور لتبادل المعلومات، ولكنها باتت أيضاً قناة رئيسية لترويج التطرف!

وفي معرض تناول قضايا الشباب، تحضرني مداولات ندوة نظمتها «البيان»، في أخريات شهر مايو عام 2009، كانت بعنوان «الشباب والتنمية الاجتماعية.. المسؤوليات والتحديات»، تمت فيها الإجابة عن بعض التساؤلات المهمة وغير المجاب عنها، لعل من أهمها ضعف الهوية والشعور بالانتماء، والتشبع بالهوية، ومن ضمن ما أثير من قضايا الشباب، ما يمكن أن أطلق عليه «الفجوة النوعية»، وأعني بها الزيادة الملحوظة في أعداد الفتيات عن أعداد خريجي الجامعات من الشباب الذكور، بسبب تسرب الأولاد من مقاعد الدراسة الثانوية أو الجامعية، وهي ظاهرة ملموسة للعيان، وسيكون لها تأثيرها المجتمعي على نحو أو آخر.

لقد أثيرت قضية عزوف الشباب عن القراءة الجادة، الأمر الذي ضعفت معه قدرة الشباب على الكتابة، والتعبير بلغة عربية سليمة، وتكفي الإشارة إلى البرنامج التلفزيوني، الذي استضاف مجموعة من شباب الجامعات في إحدي السنوات الماضية، وعند سؤالهم تعذرت عليهم الإجابة بالفصحى، وآثروا الإجابة بالعامية! إن عزوف الشباب عن القراءة يثير الانتباه، شأنه شأن عزوفهم عن الزواج، وهي من القضايا الشائكة أيضاً.

لقد كان من توصيات تلك الندوة، التي نظمتها وحدة الدراسات في «البيان» على ما أذكر، ضرورة إنشاء هيئة للشباب تطرح نفسها برؤية معاصرة، ومن منطلق علمي يشرف عليها «أساتذة وخبراء مواطنون»، ذوو كفاءة وخبرة، من خريجي كليات الدراسات الاجتماعية، وعلم النفس، والخدمة الاجتماعية والتربية، يناط بهم رسم خريطة طريق جديدة، يسير عليها شبابنا داخل الوطن والدارسون في الخارج.

Email