الخيار العربي الوحيد.. الوحدة في وجه الخطر!

ت + ت - الحجم الطبيعي

أي جهد لإنقاذ الوضع في سوريا أو غيرها من الدول العربية المنكوبة بالصراعات والحروب الأهلية والمذهبية، هو جهد إيجابي نرجو أن ينجح في أن يجنب هذه الأقطار الشقيقة المزيد من الدمار، وأن يجنب شعوبها ما تقاسيه من ويلات الحروب وعذاب التشريد وذل الاحتياج.

ومع ذلك.. فإن علينا أن نضع في الاعتبار أن محاولات الحل بأيدي الأطراف الدولية والإقليمية، والتي فرضتها الظروف في سوريا الشقيقة على سبيل المثال، لن تكون إذا حققت النجاح المرجو، إلا انتقالاً لمرحلة جديدة من الصراع قد تكون أقل دموية، وقد تعيد بعض الاستقرار للبلد المنكوب.. ولكنها ستترك الباب مفتوحاً ـ في ظل الغياب العربي المؤلم ـ للصراعات بين القوى الدولية والإقليمية والحفاظ على ما اكتسبته من نفوذ، أو لتحويل هذا النفوذ إلى حقائق على الأرض أو نصيب في السلطة الحقيقية في البلاد!!

ولا مجال هنا لإعادة ما ذكرنا مراراً من الثمن الفادح الذي ندفعه بتأثير الغياب العربي المؤثر، ولكننا فقط نشير هنا إلى ضرورة التنبه إلى أننا كنا نتحدث حتى وقت قريب عن المحاولات لخلق شرق أوسط جديد على حساب العرب، الآن نتحدث، ويتحدث الكل معنا، عن عالم جديد يتشكل أمامنا، وعن موازين قوى تتغير، وعن تحالفات قديمة تسقط، وعن تحالفات جديدة في الطريق.. فأين العرب من كل ذلك؟!

الآن ومع بداية الحقبة الترامبية، يبدو أن كل ما كان العالم ينظر إليه باستخفاف من تصريحات ترامب أثناء المعركة الانتخابية أو بعدها. ومن وعود وتهديدات كان الجميع تقريبا يضعها في خانة ما لا يمكن تنفيذه.. يبدو أن ذلك كله هو ملامح سياسة جديدة بدأ بالفعل تنفيذها، ولا أحد يعلم إلى أين تقود أميركا العالم!

ولكن.. في كل الأحوال فإن أميركا ترامب تدخل في فترة من الصراعات الداخلية غير المسبوقة، ومن الصراعات الخارجية المفتوحة مع الجميع تحت شعار «أميركا أولاً».

نحن أمام فترة حرجة.. أميركا مشغولة بصراعاتها الداخلية والخارجية، والعالم مشغول بالبحث عن إجابة لسؤال: إلى أين تذهب أميركا بنفسها وبالعالم؟ وأوروبا تحت تهديد التفكك وتحت مرمى سهام ترامب الذي يعتبرها منافساً بعد أن كانت شريكاً! والصين تستعد لمواجهة «نرجو أن تظل اقتصادية فقط» بعد أن أصبحت هي المدافعة عن حرية التجارة التي ترفضها أميركا ترامب! وروسيا ـ حتى الآن ـ هي المستفيد الأكبر، وإن كانت تدرك ـ بلا شك تبعات ذلك ومخاطره في عالم تتغير فيه التحالفات بين يوم وآخر، ومع قوة أعظم مثل أميركا.. لا أحد يعرف أين ترسو بها سياسات رئيسها الجديد!

وسط هذا كله يصبح الغياب العربي في المحاولات الجادة المبذولة لإنقاذ الوضع في سوريا غياباً مؤسفاً إن لم نقل مأساوياً! ولكن ـ بالقطع ـ هو مؤشر على حقيقة الوضع العربي، وجرس إنذار بأن الظروف لا تتحمل ذلك، وأن على الجميع أن يتحملوا مسؤولياتهم حتى تعود بعض الحياة للفعل العربي، مع تجاوز كل الخلافات التي تهون أمام الخطر الماثل، والتهديدات التي تتضاعف في ظل عالم يعيد ترتيب أوضاعه، وفي ظل قيادة أميركية لا تدرك أن أميركا هي التي دمرت بلداً مثل العراق وسلمته لإيران.. فتطلب بنصيبها من بترول العراق ثمناً للجريمة التي وقعت ولأكثر من مليون مواطن عراقي راحوا حتى الآن ضحية السياسة الأميركية الخرقاء!

ولعل المحاولات التي تجري الآن لإنقاذ الوضع في ليبيا تكون مؤشراً على إدراك عربي بخطورة أن يتكرر الأمر في ليبيا، وأن يصبح مصيرها رهينة التدخل الأجنبي وتأكيداً للغياب العربي.

وبعيداً عن التفاصيل، فإن التوافق بين مصر والجزائر وتونس بشأن الموقف في ليبيا لم يعد يحتمل التأخير. وكذلك العمل على دعم الجهود لبناء التحالف الوطني بين الجيش الذي يقوده حفتر، والحكومة التي يقودها السراج والبرلمان الذي يستكمل الشرعية، ويفتح الباب أمام مصالحة وطنية تنقذ ليبيا من خطر التقسيم، ومن عصابات الإرهاب ومن تدخل أجنبي لن يكون إلا فصلاً من مأساة بدأت بهذا التدخل!

لعلنا في ليبيا، نستدرك ما لم نفعله في سوريا، ولعلها تكون رسالة جديدة، بالإضافة إلى الرسالة التي نبعثها من اليمن.. أن تكف كل القوى الأجنبية يدها عن التدخل، وأن يكون القرار عربياً، فقد قاسينا بما فيه الكفاية من غياب نتحمل مسؤوليته، ومن إرهاب تم تصديره، ومن مؤامرات لم تتوقف عن استهدافنا كعرب، لأنها كانت ـ وما زالت ـ تعتبر وحدة العرب هي الخطر الأكبر على أطماعها.

Email