«الفتاوى» المضللة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمكن القول إن حيرة المواطن المصري البسيط الذي تتجاذبه الفتاوى «الدينية» من جهة والتشريعات القانونية المنظمة للحياة من أخرى، تزداد مساحة في كل يوم وهو ما يسبب ارتباكاً يصل أحياناً إلى حد الضياع، فعلى سبيل المثال، ينص القانون على أن سن زواج الفتاة هي الثامنة عشرة من العمر، ويعد مخالفاً للقانون ومعرضاً لعقوبة من يعقد زواجاً لم تبلغ فيه الزوجة الثامنة عشرة، وفي ذات الوقت تزدحم شاشات التلفزيون بمن يزعمون بأنهم «علماء» رغم أنه لا يعرف أحد مدى انتمائهم للأزهر الشريف، يصدرون فتاوى بأن الزواج مباح من سن يعد من سنيّ الطفولة «إذا كانت تطيق»!!.. ولا شك أن المواطن الذي يسمع مثل هذه الفتاوى، قد تلقى هوى في نفسه أو على أقل تقدير، قد يرى القانون، جائراً بل وربما مخالفاً للدين!!.. كذلك في موضوع الرشوة التي يجرمها القانون لتداعياتها المؤذية، جاء من «يبررها»، بدعوى أنها نوع من إكرام المؤدي للخدمة وعرفان بجميل صنعه وكأن متلقيها ليس موظفاً بالدولة، وأن تلك هي مهمته التي يتقاضى أجراً مقابلها.

لكن أخطر من هذه الظاهرة تتمثل في تقديري، في إصدار الفتاوى المتكررة بصدد المختلفين في العقيدة الدينية والتي تصل إلى حد إباحة قتل هؤلاء، دون ذنب أو جريرة، اللهم إلا الاختلاف في الدين.. فالقانون يجرم القتل وقد تصل عقوبة القاتل، على ضوء ظروف الجريمة ودوافعها، من السجن لسنوات قليلة إذا كان القتل نتيجة دفاع شرعي عن النفس، أو المؤبد وربما الإعدام إذا ما كان القتل بدافع الانتقام، وقد شاهدنا أخيراً كيف يعترف أعضاء في التنظيمات الإرهابية بارتكاب جريمة القتل «بتهمة الكفر؟» التي أطلقها أحد شيوخه أو أساتذته في الاجتماعات السرية، ويتمادى في الجهر بأنه لا يعترف بقوانين الدولة ولا يعتد بها بأي حال من الأحوال، مما قد يشيع نوع من البلبلة العميقة والحيرة في الاختيار لدى البعض بين الامتثال للقانون الذي تصدره الدولة بمؤسساتها، أو السمع والطاعة العمياء لمصدري مثل هذه الفتاوى، خاصة بعد انتشار القنوات التلفزيونية، التي تبث الأفكار والمفاهيم التي لا تنتمي للدين، ولا هدف لها سوى إشاعة البلبلة والفوضى، خدمة لمخططات ظهر الكثير منها، غير أن معظمها لا يزال يراوغ ويغالط، مدعياً الالتزام بمبادئ الدين الحنيف، والأدهى من ذلك اتهام الدولة بالكفر، ومما يزيد من صعوبة الأمر، قيام المكفٓرِين باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، دونما رقيب أو حسيب.

وتجدر الإشارة إلى أن مصدري الفتاوى، تتفاوت فتاواهم وفق قناعتهم هم، والاختلاف النسبي في أحكامهم، بينما لا توجد «نسبية» في القانون، حيث الأفعال المجرمة منصوص عليها بوضوح لا يقبل أدنى التباس، وتشمل فتاوى تعقيد حياة المصريين الدعوة إلى عدم تنظيم النسل، وترك الحبل على الغارب لإنجاب أكبر عدد من الأبناء، لكن لا أحد يمكن أن يصدق، أن يرفض أحد تنظيم الإنجاب، ثم يلقي بالأطفال إلى الشارع أو يلحقهم بالعمل في سن الطفولة، ويستولي على مكسبهم، أو يدفعهم إلى التسول أو ما قد يكون أسوأ.

إن تشتيت المواطن بين القانون والفتوى الصادرة عن غير ذي صفة، أو لغرض في نفس يعقوب، يجب أن يتم وضع حد له، لأن سلبياته لا تحصى ولا تعد، وعلى كافة مؤسسات الدولة والمؤسسات الدينية العمل على وضع حد لحيرة المواطن أو تمزقه، وحتى لا يقع بين براثن المتاجرين بالدين، الذين لا تعنيهم معاناة المواطن ولا تردي أحواله أو تعريض نفسه للموت، بل ما يهمهم فقط هو السيطرة على العقول والقلوب لمرامي ما أنزل الله بها من سلطان.

Email