ماتنتظره إسرائيل من واشنطن

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتطلع إسرائيل بفارغ الصبر إلى ولاية ترامب الأولى والإدارة الأميركية الجديدة باعتباره «المخلص» من القضية الفلسطينية.

تريد إسرائيل من إدارة ترامب الجديدة مساعدتها في الإبقاء على القضية الفلسطينية في الحدود المسموح بها إسرائيلياً وضمن الأفق والرؤية التي يتبناها اليمين الإسرائيلي المتطرف، أي إنهاء حل الدولتين وضم الكتل الاستيطانية أو ما يعادل 60% من مساحة الضفة الغربية وبقاء القدس غير مقسمة وعاصمة أبدية وموحدة لإسرائيل وشطب قضية اللاجئين من جدول الأعمال.

ما تطلبه إسرائيل في الواقع من إدارة ترامب أو ما تتطلع إليه هو باختصار مساعدتها في الإجهاز على القضية الفلسطينية وتعاونها لطمس معالم هذه القضية، وهذا المطلب يعني من بين أشياء كثيرة أنها أي إسرائيل تقر بعدم قدرتها منفردة على إنجاز هذه المهمة، وهي التي لم تدخر وسعاً في استخدام كافة الأساليب العسكرية والأمنية والتخريبية لوأد القضية الفلسطينية وتنغيص حياة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال من خلال الحصار والمعابر والحواجز وقيود الانتقال، وقد استعانت السلطات الإسرائيلية في ذلك بمخزون الممارسات الاستعمارية في كافة أشكالها وميراث المؤسسات الاستعمارية العنصري والقانوني والمادي والمعنوي في التنكيل بأصحاب الأرض أي الشعب الفلسطيني .

القوة التي تستخدمها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني لا تستند إلى رسالة إنسانية أو أخلاقية ولا ترتكز على مبدأ إنساني أو قيمة إنسانية بل هي قوة عارية وغاشمة، قد يرتد استخدامها على صاحبها من جراء التداعيات والآثار التي تلحق به أو الاستجابات النوعية التي يولدها استخدامها، فالضعف لا يخلو من قوة أيضا خاصة إذا ما استند على رسالة فحواها التحرر والحرية والحق وهنا يمكن القول إن ذلك يمثل قوة الضعف والضعيف، أي إيمانه بحقه وقضيته واستعداده الدائم والمتجدد للتضحية من أجل إثباته وتحقيقه حتى لو أعوزته الوسائل والقوة في مواجهة المحتل والغاصب.

تريد إسرائيل من الإدارة الأميركية الجديدة أن تساعدها في تحقيق مهمة إنهاء القضية الفلسطينية أو وذلك أضعف الإيمان أن تحظى بدعمها لاستكمال هذه المهمة وتوفير غطاء سياسي ودولي لإسرائيل يمكنها من إتمام هذه المهمة.

والاستحالة هنا أي استحالة تصفية القضية الفلسطينية ليس مجرد صفة أخلاقية مرتبطة بطبيعة القضية الفلسطينية منذ نشأتها، أو كعنصر ارتبط بهذه القضية منذ بدايتها، بل الاستحالة تعني قدرة الشعب الفلسطيني وإمكاناته النضالية المختزنة والتي يخرجها إلى حيز النور في الظروف والتوقيت الملائم هي الخبرات التي تحصل عليها الشعب الفلسطيني في مجرى نضاله ضد الصهيونية وإسرائيل وتتناقلها الأجيال جيل بعد جيل وساهم كل جيل في تطويرها وأقلمتها مع المتغيرات والمستجدات، الاستحالة تكمن في التجربة التاريخية التي عاشها الشعب الفلسطيني في النكبة والمنفى والهوية والكيانية التي تشكلت في أحشاء هذه التجربة التاريخية.

فمنذ عام 1948 وحتى الآن لم يتوقف الشعب الفلسطيني عن ابتكار وتبني مختلف الأساليب لبعث قضيته وهويته، فولدت حركة المقاومة الفلسطينية فتح في عام 1965 ونشأت منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، ثم انتفاضة الشعب الفلسطيني في 1987 في الداخل.

وكذلك انتفاضة عام 2000 وغيرها مما يعجز عن هذا المقال عن الإفاضة فيه، دلالة ذلك كله، هو قدرة الشعب الفلسطيني على التجدد والتجديد الذاتي واستيعاب المتغيرات وابتكار ما يناسبها من أشكال النضال والكفاح.

حاولت إدارة أوباما في أيامها الأخيرة إنقاذ إسرائيل من نفسها عبر تحميلها مسؤولية تعثر عملية السلام، والسؤال هو هل يستطيع ترامب أن يقوم بعملية إنقاذ عكسية لإسرائيل؟ أي دعمها في تعويق عملية السلام والإمعان في التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني وحل الدولتين، وهذا في حد ذاته تعميق للمأزق الإسرائيلي.

Email