لماذا نراهن أساساً على إدارة ترامب؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الخطأ أن نتعامل مع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب كغيره من الرؤساء السابقين، فنحن أمام تغيير حاسم في قيادة أكبر قوة عالمية، ونحن أمام أميركا منقسمة على نفسها، كما لم يحدث منذ أيام الحرب الأهلية، ونحن أمام شخصية تأتي من خارج عالم السياسة لتحكم الدولة الأعظم بمنطق الصفقات ولتصطدم مع المؤسسات في الداخل ومع الحلفاء في الخارج.

وتبقي الجميع في حالة ترقب وتساؤل: إلى أين يقود الرجل القادم من خارج المؤسسة كما تقول بلاده، وكيف ستكون علاقة أميركا بالعالم، وكيف يمكن للعالم أن يتعامل مع الإدارة الأميركية بكل تقلباتها وحروبها التي أعلنتها في الداخل والخارج؟!

كان البعض يعتقد أن ترامب بعد نجاحه في الانتخابات سيكون رجلاً آخر، وأنه سيقوم بتعديل مواقف كان قد أعلنها في خضم المنافسة الانتخابية، لكن الرجل أمضى الفترة الانتقالية في تأكيد ما أعلنه سابقاً من مواقف، سواء في اختيار فريقه للحكم أو في مواجهة مؤسسات قوية مثل أجهزة الاستخبارات التي وصفها بالفشل وبالنازية، رداً على تسريباتها حول علاقته بروسيا، ثم في المضي قدماً في التأكيد أنه مقدم على تغيير كامل في سياسة بلاده تحت شعاره الأثير «أميركا أولاً»، بتبني سياسات يمينية في الداخل، وسياسات انعزالية في الخارج.

شخصية ترامب وآراؤه الصادمة كانت تستقطب الاهتمام طوال الفترة الماضية، لكن هذا لا ينبغي أن يصرف الأنظار عن حقيقة أنه ابن اليمين المتشدد في أميركا بنزعته العنصرية، وبانحيازه ضد غير البيض من مواطني الولايات المتحدة.

وبرفضه لأي توجه نحو العدالة الاجتماعية ودفاعه عن مصالح الاحتكارات الكبرى التي ترى في منافسة الصين التحدي الأكبر، خاصة بعد أن بدأت الصين في العمل على ترجمة قوتها الاقتصادية إلى نفوذ سياسي وقوة عسكرية استعداداً لدور أكبر في زعامة العالم.

ولعلها من المفارقات المهمة أن يتزامن تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، مع انعقاد مؤتمر «دافوس» الاقتصادي العالمي، بحضور لافت للرئيس الصيني، ليبدو الأمر وكأن الصين قد أصبحت المدافع الأكبر عن حرية التجارة العالمية التي كانت أكبر المستفيدين منها، بينما يقول ترامب إنه سيطلب تعديل اتفاقات اقتصادية.

وسيبني السدود على حدود أميركا، وسيفرض الضرائب على الواردات خاصة من الصين، وسيعيد الصناعات الأميركية من الخارج، بينما يتعاظم نفوذ اليمين المتشدد في دول الاتحاد الأوروبي مطالباً بسياسات ضد العولمة تميل للانعزال والتعصب القومي، وتدعو للانفصال عن أوروبا والسير في الطريق الذي سارت فيه بريطانيا من قبل. ف

ي هذا الإطار يمكن فهم توجه ترامب نحو علاقات أوثق مع بوتين لإبعاده عن التحالف مع الصين، لكن الإشكالية هنا هي في عدم اكتراث ترامب بالعلاقات التاريخية بين بلاده وأوروبا، وتفضيله أن يحكم اليمين المتعصب دول أوروبا، واعتباره ملف ناتو شيئاً من الماضي عفى عليه الزمن!

وقد يبدو ذلك للبعض بعيداً عن عالمنا العربي وقضاياه وأوضاعه المضطربة حالياً، لكن الأمر ليس كذلك، فنحن في قلب هذا الصراع كما كان الأمر دائماً عندما يكون العالم على مشارف تغييرات حاسمة، ونحن الذين ندفع الثمن الآن مقدماً، وعلينا أن نتنبه لما يجري حولنا حتى لا يتضاعف الثمن في المستقبل القريب أو البعيد!

كم كنت أتمنى أن تكون هناك لجنة عربية على أعلى مستوى من الدول الرئيسية، تتفرغ لمتابعة الموقف على كل الجبهات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتضع رؤية استراتيجية لمواجهة التحديات والتعامل مع المتغيرات الحاسمة عند القوى الكبرى والصراعات المرتقبة، وانعكاسات ذلك على عالمنا العربي، وفي علاقاته مع التهديدات الإقليمية، ومع الأوضاع المضطربة في المنطقة.

كم كنت أتمنى وما زلت أن نفعل ذلك وألا نبقى فقط في دائرة رد الفعل، فتكون النتيجة أن تتحول أقطار عربية إلى ميادين للحروب بالوكالة أو للإرهاب الداعشي أو الإيراني وأن يصبح القرار بشأنها في أيدٍ غير عربية، كما هو الحال في سوريا، وقبل أن يتكرر المشهد في أقطار أخرى.

يقول ترامب إنه ضد الاتفاق النووي مع إيران، وضد تمددها في المنطقة، لكن علينا أن ندرك أن منطق الصفقات له أكثر من طريق!

يؤكد ترامب أنه سيحارب الإرهاب كما تفعل إدارة أوباما، لكن هذا لا يتم مع الانحياز لإسرائيل، والتعهد بنقل سفارة أميركا إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة للدولة الصهيونية، وهو الأمر الذي سيشعل المنطقة بصورة نرجو أن يفهمها الرئيس الأميركي الجديد، فهو يندفع في هذا الطريق الذي ستكون المصالح الأميركية أولى ضحاياه.

كم نحن في حاجة إلى التنبه لحقيقة ما يجرى حولنا وفي العالم، الرئيس الأميركي الجديد ليس إلا رمزاً لتغييرات حاسمة في أميركا والعالم، وأي تقدير للموقف لابد أن يؤكد الحاجة لرؤية عربية تستعد لكل الاحتمالات ولوحدة بين القوى الرئيسية العربية لمواجهة التحديات والخروج من دائرة رد الفعل.

لكي لا نتحمل تكلفة الغياب في زمن يستدعي الاحتشاد العربي الذي يدرك أن العالم كله وليست منطقتنا فقط يواجه منعطفاً جديداً وتغييرات هائلة ومستقبلاً تتبدل فيه التحالفات، وتنقلب به السياسات، والمؤسف حقاً أن يتم ذلك والعالم العربي في أضعف حالاته وليس أمامه إلا أن تتوحد القوى التي واجهت الإرهاب وتصدت لمحاولات التمدد الإيراني وتآمر الدواعش والإخوان لكي تشكل حائط الصمود أمام التحديات.

بين التفاؤل والتشاؤم تمضي الرهانات على مجيء ترامب في العالم كله، رهاننا الوحيد ينبغي أن يكون على أنفسنا، أن نمتلك الرؤية، وأن نحشد قوانا الحية لمواجهة التحديات، وأن نكون قد تعلمنا من دروس الماضي أن رهاننا الوحيد لابد أن يكون عربياً.

Email