دبي الرائدة في إنشاء المصرفية الإسلامية

ت + ت - الحجم الطبيعي

برحيل الأمير محمد بن فيصل بن عبد العزيز آل سعود، رحمه الله، قبل أيام، تطوى صفحة في تاريخ البنوك الإسلامية التي نشأت كفكرة منبثقة عن تشريع المعاملات المدنية في الشريعة الإسلامية.

وتعرض قدرتها على المنافسة في مجال المعاملات، ومنها الاقتصاد الذي تقوم عليه عجلة الحياة أينما ولى المرء شطر وجهه في هذه الدنيا والأرض التي نعيش عليها.

. ومن المعلوم أن نظام التعاملات في الشريعة الإسلامية اقتصادية كانت أم تجارية عادية، لا تجيز النظام الربوي الذي هو الجزء المفصلي في الاقتصاد العالمي، والربا يعني أن ينمي أحدنا أو مجموعة منا أمواله عن طريق إقراض الآخرين والحصول منهم على فوائد من هذا الاقتراض، لأن الإسلام في بدء أمره قام على أساس التكافل الاجتماعي ووجوب مساعدة المسلم المسلم من دون أن يطلب تعويضاً مقابل هذه المساعدة، والآية القرآنية واضحة فيما يتعلق بالتسليف والإقراض، وهو أن (لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) أي، إذا أقرضتك درهماً، تعيده إليّ في نهاية الأمر ليس زائداً أو منقوصاً.

وباعتبار النظام الإسلامي قام في نشأته الأولى كما قلنا على مبادئ من التكاتفية والتراحم المجتمعي، وليس على نظريات تعاملية أخرى فإنه حارب الربوية واعتبرها منافية لتكوين مجتمع قام على المعاضدة والتعاونية.. ولكن باتساع رقعة التواجد الإسلامي والاحتكاك الحضاري بالغير اتسعت أيضاً دائرة التعاملات وأصبح الاجتهاد في استنباط الأحكام تدعو إليه الضرورة،.

وقد حدث ذلك من الفقهاء في الشريعة وتشعبت الآراء تشعباً لا يدركها إلا من يطلع على شيء من هذه الآراء والفتاوى.

وقد أدرك المشرعون الإسلاميون المعاصرون أن الأعمال المصرفية التي جاءت إلينا من الغرب مع طلائع الاستعمار، أن المعاملات البنكية المعاصرة لا تقتصر على التسليف والإقراض إلا في جزء يسير، وأن المعاملات البنكية عمل اقتصادي تحتمه التعاملات بين الأمم ولا مناص من هذه المعاملات إذا أردنا لاقتصادنا أن يساير العالم.

وهنا جاءت فكرة إقامة مصارف وبنوك تتعامل بشكل ليس فيه تعارض مع التشريعات الاقتصادية وتتجنب بقدر الإمكان الربوية المباشرة في التسليف والاقتراض فقط، بينما تسير البنوك الإسلامية في مُجمل تعاملاتها حسب النظام المصرفي العالمي كما تمت الإشارة إليها.

ويبدو أن الفكرة نشأت في مصر في منتصف القرن الماضي، ولكنها لم تختمر، في ذهن الناس ولم تلق تشجيعاً من الدولة آنذاك، وخاصة بعد التغييرات في الأنظمة الاقتصادية وغيرها منذ العام 1952 في مصر.

وكان هناك عالمان مصريان بارزان هما، الشيخ محمود شلتوت بعده الشيخ محمد سيد طنطاوي، قد أفتيا بجواز التعامل الربوي مع البنوك باعتبار أن الربا الذي منعه الإسلام هو الربا الفاحش أي أضعافاً مضاعفة، بينما فوائد البنوك لا تتعدى نسباً تكون جزءاً من قيمة القرض أو الدين، وإذا تعدت الفوائد المتراكمة 50 % من قيمة القرض فهناك حق للمقترض أن يطالب إعادة النظر في مديونيته.

في العام 1973 التقى الشيخ زغلول النجار وهو مصري تخصص في الدراسات الاقتصادية بالحاج سعيد أحمد لوتاه أحد رجال الأعمال في الإمارات.

وعرض عليه فكرة إنشاء بنك إسلامي، وتلقى الحاج سعيد لوتاه هذه الفكرة بالقبول الحسن وأعد الاثنان دراسة جدوى للمشروع وعرض الحاج سعيد فكرته على الشيخ راشد بن سعيد، حاكم دبي، رحمه الله، الذي تحمس للفكرة، ورأى أنها ابتكارية خاصة وأن دبي ستكون مقراً لهذا المشروع الأول من نوعه،.

ولم يكد يمضي عامان على الفكرة حتى تمخضت عن قيام مؤسسة مصرفية تدعى بنك دبي الإسلامي في عام 1975، وكان المشروع أول مشروع من نوعه في العالم، كما تمت الإشارة إليه، وتداعيات الحوادث التي مر بها بنك دبي الإسلامي واستمراره في العمل لها مبحث آخر، نرجو أن نتطرق إليه في مناسبة أخرى.

وكأي مؤسسة إذا تعرضت إدارتها لسيئات الافتقار المهنية، فإن بنك دبي الإسلامي أصيب في إدارته بمثل هذه السيئة، ولكن المواقف الإيجابية والحزمية التي يتخذها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، رعاه الله، لتعديل مسيرة المؤسسات إذا انحرفت بها الطريق كانت كفيلة بإعادة الأمور إلى نصابها في البنك.

 

Email