التعايش في الإمارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

أشرقت شمس الاتحاد في أرض الإمارات، وأصبحت مضرب المثل في الوحدة والتلاحم، والتآزر والتكاتف، واصطف المجتمع الإماراتي من أقصى البلاد إلى أدناه، تحت مظلة واحدة، مظلة دولة الإمارات، التي أنشأها زايد الخير، وإخوانه المؤسسون، وأكمل نهضتها خليفة الخير والعطاء، وتكاتف الجميع يداً بيد حتى قوي عود الاتحاد، ومضت سفينة الوطن تشق طريقها نحو آفاق المجد والريادة، حتى لبست من الرخاء والتنمية أبهى حلة.

ومن الأمن والأمان أرقى تاج، ومن التعايش والتسامح أجمل زينة، وأصبحت نموذجاً رائداً للدولة المدنية الحديثة، التي تجمع بين قيم المعاصرة والتحديث، وأصالة الجذور والهوية، وسط عالم متغير متحول، يموج بالتحديات الكبيرة، وغدت موئلاً للمقيمين والزائرين، من مختلف الجنسيات، التي وجدت في دولة الإمارات مجتمعاً للتسامح والسعادة والعدالة والرخاء.

ومنذ أن قام الاتحاد، حرص الشيخ زايد، رحمه الله، والقادة من بعده، على ترسيخ قيم التعايش في دولة الإمارات، هذه القيم التي تجمع شمل كل إنسان فيها تحت مظلة التعامل الحضاري المسؤول، وعملوا على إحلال مقومات السلم الاجتماعي، وفق أعلى المعايير، لبناء مجتمع آمن مستقر، ينعم فيه الجميع بالخير والازدهار.

وخاصة مع ما شهدته وتشهده دولة الإمارات من تنوع ثقافي كبير، وجنسيات وجاليات كثيرة من مختلف أصقاع الأرض، متعددة في عقائدها وأديانها ومذاهبها وطرائق حياتها، فعملت الدولة على حفظ حقوق الجميع، وتحقيق التناغم في العيش بينهم، وتوفير الحماية لهم، بحيث لا يعتدي أحد على أحد، ولا يُجرم أحد في حق أحد، وسنت القوانين، التي تحفظ الحقوق، وتصون الحريات.

وتحاسب كل من يعتدي على حرمة الدم والعرض والمال، والتي تعتبر من الضروريات الخمس، ومن المقاصد الكبرى للشريعة الإسلامية، حتى تبوأت دولة الإمارات المراكز الأولى في مجال التعايش السلمي.

ودولة الإمارات بإرثها الديني والثقافي والحضاري، امتلكت رصيداً كبيراً مكَّنها من تحقيق هذا الغرض الجوهري، وهو التعايش بجدارة، فهويتها الإسلامية والعربية والإماراتية المتجذرة، غنية بقيم التسامح والبر والرحمة والعدل والإحسان والكرم والسخاء والأخلاق الكريمة، ومحبة الخير للجميع، والنصوص القرآنية والنبوية، التي تحث على ذلك كثيرة، يقول النبي عليه السلام:

«المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم»، فبيَّن الارتباط الوثيق بين الإسلام والسلام، وبين الإيمان والأمان، وقال عليه السلام:

«دخل رجل الجنة بسماحته»، أي: بحسن معاملته مع الناس، إلى غير ذلك من نصوص كثيرة، لا يمكن حصرها، تعلي من شأن التعايش والتسامح والمعاملة الحسنة، وتعتبر ذلك قيمة حضارية لا غنى عنها، إذ قال الشيخ زايد، رحمه الله: «التسامح مبدأ لا غنى للإنسان عنه، إن كان يعتبر نفسه إنساناً حضارياً»، ما أسهم في ترسيخ منظومة راقية في حسن معاملة الآخر في دولة الإمارات، وأصبحت هذه المنظومة جزءاً من هوية وثقافة المجتمع الاماراتي.

إن الخلاف بين البشر في مشارق الأرض ومغاربها، أمر قدري، كتبه الله في اللوح المحفوظ، وقدَّره لحكمة بالغة، ولو شاء سبحانه لجعل الناس أمة واحدة غير مختلفين، والإسلام الذي جاء بالهدى والنور، منذ بزوغ فجره المنير، كسر أغلال التعصب والإكراه، ومنع تحويل الناس عن معتقداتهم بالقسر والقهر، وأمر رسوله الكريم بالبلاغ والتذكير، وبيان الحق، والرد على الباطل، ونهاه عن التسلط والتجبر، قال تعالى: {وما أنت عليهم بجبار} أي: لم تُبعث لتجبرهم على الإسلام، إنما بُعثت مذكراً، وقال: {لست عليهم بمسيطر}.

وقال: {وما أنت عليهم بوكيل}، وقال: {إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب}، وقد عاش في ظل القيادة النبوية الشريفة والقيادة الراشدة، أهل ديانات أخرى في أمن واستقرار، وضرب المسلمون الأوائل أروع الأمثلة في البر والإحسان بهم، انطلاقاً من قول الله: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}.

وقد عرَّف القدماء الأخلاق بأنها بذل الندى وكف الأذى، فكف الأذى يخلق التعايش، وبذل الندى يخلق التكافل، وبهذين الجناحين، حلقت دولة الإمارات في آفاق التعامل الحضاري، فرسخت دعائم التعايش والتكافل، وأرسى مؤسسو الدولة وقادتها، مبادئ العمل الإنساني عبر مسيرة مشرقة، وامتدت أيادي دولة الإمارات البيضاء إلى مختلف أصقاع الأرض.

وانطلقت قوافل الخير إلى شتى البقاع، لإغاثة الملهوفين، وحققت دولة الإمارات المراكز الأولى في هذا المجال، ومع انطلاقة مبادرات عام الخير تنطلق دولة الإمارات، لتحقيق مزيد من الصدارة في التعايش والتكافل، وجاءت مبادرة بنك الطعام، ترجمة لهذه الأهداف الاستراتيجية، لتسخير نعم الله في خدمة عباده.

إن العالم اليوم يموج بتحديات كثيرة، تتطلب من الجميع التحلي بالوعي والحكمة، والمساهمة في حماية سفينة الوطن، وصيانة مكتسباته، والعمل على تقدمه وازدهاره، والالتفاف حول قيادته الحكيمة، وتعزيز مسيرته المشرقة في التعايش والسلام والاستقرار.

* كاتب إماراتي

 

Email