أميركا والاستيطان: لمن تدق الأجراس؟

ربما يكون من الضروري والمهم في هذه اللحظة الفارقة في تاريخ القضية الفلسطينية، التوقف كثيراً لتأمل وتحليل ودراسة الموقف الأميركي من المستوطنات والمستعمرات «الإسرائيلية»، في الضفة الغربية والقدس.

ذلك الموقف المتمثل في عدم استخدام حق «الفيتو» ضد القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 2334، والذي حظي بموافقة أربعة عشر عضواً في المجلس، وكذلك خطاب جون كيرى في 23 ديسمبر، الذي استمر زهاء السبعين دقيقة لشرح رؤية الإدارة الأميركية الحالية لحل الدولتين والمبادئ، التي يستند إليها هذا الحل.

لا يكفي في هذا السياق الوقوف لدى الانطباعات الأولية عن هذا الموقف، من قبيل أنه مجرد إبراء ذمة الإدارة الحالية، التي تنتهي ولايتها في العشرين من يناير، أو أنه انتقام من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو من قبل أوباما، أو أن هذا القرار وهذا الموقف الأميركي برمته، مجرد تحصيل حاصل.

إذ سبق للأمم المتحدة أن دانت الاستيطان، وأكدت مخالفته للقانون الدولي، وأخيراً وليس آخراً أن القرار يصدر عن الفصل السادس، وليس الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ومن ثم فإنه لا يشتمل على قيمة إلزامية أو عقابية ضد إسرائيل.

وبناء على ذلك فإنه يمكننا القول إن الموقف الأميركي من المستوطنات وحل الدولتين، حتى ولو كان مسكوناً بهاجس إنقاذ إسرائيل من نفسها، ومن يمينها المتطرف، أو كان مهموماً بأمن إسرائيل ومستقبلها، فإنه يتضمن العديد من النقاط والدلالات الإيجابية، التي يمكن الاستناد إليها، والانطلاق منها لبناء موقف فلسطيني وعربي ودولي جديد، إزاء إسرائيل وحملها على تبنى موقف مختلف من التسوية والسلام والقضية الفلسطينية.

ينطوي هذا الموقف الأميركي على قيمة أخلاقية ورمزية وسياسية، تعزز من النضال الفلسطيني إما على الصعيد السلمي وإما حتى على صعيد المقاومة للاحتلال؛

أما على الصعيد السياسي والدولي، فإن الموقف الأميركي يدعم المواقف المصرية والدولية التي تحاول إعادة عملية السلام إلى الحياة، خاصة مؤتمر باريس، الذي سيعقد في الخامس عشر من يناير عام 2017، والذي ستحضره نحو سبعين دولة أوروبية وغير أوروبية، لدعم هذه العملية والمساهمة في صياغة أسس هذه العملية، وتحديد موقف المجتمع الدولي منها، ومن المحتمل أن يمثل الموقف الأميركي المتمثل إما في قرار مجلس الأمن وإما في خطاب كيري حول مبادئ التسوية والحل مرجعية هذا المؤتمر.

بل من الممكن والمحتمل في حالة أن يلتقط المؤتمر منظومة الرسائل الأميركية، أن يخطو هذا المؤتمر خطوة أكبر في هذا الاتجاه، تتمثل في استخدام الأدوات الاقتصادية مثل المقاطعة الثنائية أو الجماعية أو فرض عقوبات أخرى، للتعبير عن موقف هذه الدول المناهضة للاستيطان، أو الذهاب لمجلس الأمن مجدداً بمشروع قرار يعتمد المبادئ، التي وردت في خطاب كيري لحل الدولتين، ربما يكون هذا التصعيد مستبعداً الآن، ولكن الطريق إليه مفتوح إذا ما صدقت النوايا في التوجه لدفع عملية السلام.

قد يؤخذ على أوباما صحوته المتأخرة في الأيام الأخيرة له في البيت الأبيض، وأنه لو فعلها قبل عامين مثلاً لكانت النتائج أفضل بكثير، ومع ذلك فإن صحوة أوباما تبدو- رغم تأخرها- أفضل من صحوة بعض الرؤساء الأميركيين الذين غالباً ما تأتى بعضهم هذه الصحوة بعد خروجهم من البيت الأبيض، وبعد تحررهم من أعباء المنصب، ومن التوازنات التي يعملون في ظلها، وتحملهم على عدم الإفصاح عن مواقفهم اتقاء لردود الأفعال.

ولا شك في أن الجديد في الموقف الأميركي من المستوطنات ليس فحسب قرار مجلس الأمن، فعديدة هي القرارات المشابهة له، بل كذلك ارتباط هذا القرار برؤية أميركية لحل الدولتين وضرورة إنهاء الاحتلال وإمكان تفاعل هذا الموقف مع المواقف الدولية الأخرى في مؤتمر باريس وتعزيز الموقف الدولي من المستوطنات ومبادئ الحل، وهذا الموقف دق أجراس الخطر لكل الأطراف.

ولا شك في أن ردة الفعل الإسرائيلية الهستيرية على هذا الموقف، يكشف بجلاء عن القيمة المعنوية والأخلاقية والرمزية والسياسية لهذا القرار، بل والقرارات المماثلة، لأنها باختصار ليس تعي جيداً أن هذا القرار وأمثاله من القرارات تظل قنبلة موقوتة في وجه إسرائيل رغم طابعها غير الإلزامي وغير العقابي، وأن تفعيلها وتنفيذها يرتبط بكثافة الضغوط الدولية، والبدء في مقاطعتها وعزلتها وأن تراكم هذه القرارات الكمي قد يحولها إلى نقلة نوعية في المستقبل إذا ما ترافق ذلك مع تغيير البيئة الدولية المحيطة بها.

تعول إسرائيل على بدء ولاية ترامب في العشرين من يناير لتغيير موقف الولايات المتحدة إزاءها، والمرشح الفائز لم يتأخر في تأكيد ذلك، ولكن هل بمقدوره فعلاً تغيير هذا الموقف الأميركي إلى النقيض، دون إلحاق الأذى بمصداقية الولايات المتحدة الأميركية عالمياً وتعريض سياساتها إزاء هذه القضية إلى الانقلاب، والتطرف وفتح الباب أمام تداعيات وآثار قد تلحق الضرر بمصالح الولايات المتحدة، وهى المصالح التي ربما قادت الإدارة المنتهية ولايتها إلى تبنى هذا الموقف، قد يحمل العام الجديد إجابة حول هذا السؤال.

الأكثر مشاركة