مصر والخليج العربي.. تحالف لا بديل عنه!

ت + ت - الحجم الطبيعي

أياً كان الموقف من الأطراف اللبنانية المختلفة، فإن التوافق السياسي الذي حدث هنا، وانتخاب رئيس البلاد بعد 30 شهراً من الفراغ الدستوري، ووجود عون في رئاسة البلاد، والحريري في رئاسة الحكومة، والاتفاق على إبعاد لبنان عن الصراع في سوريا.. كلها أمور ينبغي دعمها في هذه المرحلة الأخيرة.

لقد تحمل لبنان الكثير خلال الفترة الماضية، ونيران الحرب تشتعل في جواره، والنازحون من الأشقاء السوريين إليه يزيدون على ربع سكانه، والاقتصاد يسير بمعجزة بعد أن توقفت السياحة، وضربت مصادر الدخل والنموذج شبه الديمقراطي الذي كان يمثله يغرق في بحر الطائفية التي تجري -عمداً وبسبق إصرار- محاولة تعميمها على المنطقة كلها، منذ احتلال العراق وتدميره من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ثم تسليمها للنفوذ الإيراني وللميليشيات الطائفية.

التوافق اللبناني، وما وراءه من توافقات بين القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الوضع هناك، يعني شعوراً متزايداً بخطورة الأوضاع، وإدراكاً بأن الانفجار إذا حدث في لبنان، فسوف تنعكس آثاره على المنطقة كلها، في وقت تشتعل فيه الجبهات السورية والعراقية واليمنية والليبية، ورغم جهود التسوية من ناحية، وحروب تصفية قوى الإرهاب من ناحية أخرى، فإن الأوضاع تبقى على خطورتها..

والدواعش حتى إذا فقدوا دولتهم المزعومة، فسيظلون خطراً على المنطقة والعالم، والإخوان وإن لم تثمر جهودهم في تدمير الدولة في مصر، فإنهم لن يتوقفوا عن بث سمومهم والتآمر ضد كل الدول العربية والإسلامية، والإيمان بأنهم المسلمون وحدهم وأن الإرهاب «وليس الجهاد في سبيل الله» هو سلاحهم، والحكم بما قال البنا وسيد قطب وليس بما قال الله سبحانه وتعالى هو منهجهم!

ولقد جاء وقت قريب انفتحت فيه أبواب الأمل في التصدي الجاد من جانب العرب لهذه المخاطر. كان ذلك مع نجاح مصر في إسقاط حكم الإخوان الفاشي، ووقوف دول الخليج العربي «وفي المقدمة المملكة السعودية والإمارات» في قلب المعركة بجانب مصر، إدراكاً بأن أمن الخليج العربي لا ينفصل عن أمن مصر، وأن سقوط مصر في يد الإخوان كان إيذاناً بسقوط باقي العالم العربي في يد قوى الإرهاب التي تدعي الإسلام، والمستعدة لبيع الأوطان التي تعتبرها -وفقاً لما قاله سيد قطب- مجرد حفنة من تراب عفن!

كان وسيظل التحالف المصيري بين دول الخليج العربي ومصر هو مفتاح الطريق لإنقاذ الوطن العربي، ومن هنا كان تحرك كل أعداء العرب ضد هذا التحالف، ولم يكن مستغرباً أن تقف أميركا ودول الغرب بكل قوتها تدعم الإخوان وتحاول محاصرة مصر سياسياً واقتصادياً، ولم يكن مستغرباً أن يتم إطلاق داعش لتعيث فساداً وقتلاً وإرهاباً في سوريا والعراق وليبيا بعيداً عن هذا التآمر المفضوح أن يتحرك «الشيطان الأكبر الأميركي» إلى حليف لحكم الملالي في طهران.

وأن يتم الانقلاب في اليمن لمحاصرة السعودية والخليج العربي، وأن يعلن قادة الحرس الثوري الإيراني بكل صلف أن أعلامهم ترتفع في أربع عواصم عربية، وأنهم وصلوا إلى باب المندب في مدخل البحر الأحمر بعد أن وصلوا إلى المتوسط عبر وجودهم في سوريا وإلى غزة عبر تحالفهم مع حماس.

كان الهدف -وما زال- هو استنزاف قوى الدول التي تستطيع مواجهة الخطر على الوطن العربي، وأن يتم رسم الخريطة الجديدة للمنطقة في غياب العرب، وأن تعود المنطقة إلى ما كان مخططاً لها منذ عشرات السنين والذي عطلته حركة القومية العربية، وانحياز مصر بقيادة عبدالناصر لعروبتها، وخوضها معركة طاحنة ضد محاولة توزيع تركة الاستعمار القديم على أميركا وحلفائها في المنطقة من غير العرب وإخضاع الشعوب العربية لأحلاف تصادر مستقبلها وتستولي على ثرواتها.

يعود الآن نفس المخطط، وبصورة أكثر خطورة، لأنه يتغلغل وسط شعوبها بإشعال الفتن الطائفية والمذهبية، ولأنه يريد الثأر لفشله على أيدينا بالتصدي لعملائه وفضح تحالفاته المشبوهة مع أذياله وحلفائه في المنطقة وخارجها، ولأن اللعبة أصبحت مكشوفة، والخطر لم يعد ممكناً إخفاؤه، والتآمر لم يعد ممكناً إنكاره.

والمهم الآن أن علينا جميعاً أن ندرك حجم المخاطر، وأن نتوقع عاماً صعباً بعد الانتخابات الأميركية التي لن تعيد لنا إلا وجهاً لأميركا تختاره بين السيئ والأسوأ، أو بين القبيح والأقبح! وجهاً قد يواصل مسيرة أوباما السلبية بصورة أو أخرى، ووجهاً آخر قد يقود المنطقة والعالم إلى حيث تقوده حماقته وجهله وغوغائيته.

لم يعد شيء من ذلك مجهولاً عند أصحاب الرأي أو أصحاب القرار في عالمنا العربي، لكن أخشى ما نخشاه هو أن نسمح باختراق التحالف الوحيد القادر على مواجهة هذه المخاطر الآن.

وهو التحالف بين مصر والخليج العربي بقيادة السعودية، هذا التحالف ينبغي -رغم أي اختلافات في الرأي- أن يستمر وأن يقوى، وأن يحاول ضم قوى عربية أخرى ربما ما زالت لا تدرك حجم الخطر، أو تتصور إمكانية مقاومته دون تحالف حقيقي يستطيع مواجهة ما يجري على الأرض العربية.

وما يخطط له الأعداء، وما يتم من اختراق بالحروب الطائفية والمذهبية التي تتصور إيران أنها ستخدم مصالحها وتوسع نفوذها، أو بمؤامرات الإخوان ووحشية الدواعش، والمحاولات التي لا تتوقف لضرب التحالف بين مصر ودول الخليج العربي والذي لا بديل عنه.. وإلا كانت الكارثة على أمتنا العربية بأكملها.

Email