طلاب المدارس وأدوات التواصل

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبح استخدام الأجهزة الذكية جزءاً واقعاً من الحياة المعاصرة، بتطبيقاتها المتعددة، وخاصة تطبيقات التواصل الاجتماعي التي أصبحت في متناول أيدي الجميع، بمن فيهم طلاب المدارس، وأصبحت بوابات مفتوحة في العالم الافتراضي، والإقبال عليها في تزايد مستمر، وهذه الأدوات كما لا يخفى سلاح ذو حدين، وتتوقف منافعها ومضارها على حسب استخدامها، وطلاب المدارس هم من أهم الشرائح الشبابية التي ينبغي العناية بها، وحسن توجيهها للاستخدام السليم لهذه الأجهزة.

إن أدوات التواصل الاجتماعي مفيدة جداً إذا تم استثمارها استثماراً سليماً، خصوصاً في مجال التعليم، والمشاركة بالمعلومات المتعلقة بالمقررات الدراسية، والتفاعل الإيجابي بين الطلاب.

وهو يقتضي وضع خطط مثلى لاستثمار هذا الجانب بشكل صحيح، عبر برامج تطبيقية تهدف إلى إيجاد البدائل الصحية للطلاب في مجال الاستخدام النظيف لأدوات التواصل الاجتماعي، كتكوين مجموعات طلابية تحت إشراف مدرسي خاص، لإيجاد بيئة تواصلية صحية بين الطلاب، أو تكوين مجموعات خاصة ببعض الصفوف الدراسية للاستفادة منها في تعزيز المناهج الدراسية لدى الطلاب، أو إدراج فن التواصل الاجتماعي الإلكتروني كإحدى الأنشطة التطبيقية لمادة التربية الأخلاقية للصفوف الإعدادية والثانوية، ليتسنى بذلك تربية الطلاب تربية عملية على الاستخدام السليم لمواقع التواصل، وتنشئتهم على روح المسؤولية، وتربيتهم على المواطنة الصالحة، والتواصل الإيجابي، وتنمية الوعي لديهم.

ومن ثمراته أيضاً قطع الطريق أمام بعض الطلبة من رفقاء السوء الذين يستغلون الفراغ في هذا الجانب، فيشكِّلون مجموعات طلابية خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، ويجذبون إليها زملاءهم، وينشرون فيها ما يخل بالأخلاق والقيم، ومن ذلك أيضاً وضع البرامج التثقيفية لتوعية الطلبة بمخاطر الاستخدام السيئ لهذه الأدوات، وتوعيتهم بالجرائم الإلكترونية والقوانين التي وُضعت لمكافحتها.

إن المهددات التي يتعرض لها الطلاب في مواقع التواصل الاجتماعي لا تنحصر في شكل واحد، بل لها أشكال عدة، فهناك المهددات الفكرية التي تستهدف عقولهم، وتسعى لتغذيتهم بالأفكار الهدامة، وتزويدهم بأنماط الغلو والتطرف والعنف، وكسر ولائهم لأوطانهم، كما أن مشاهد العنف والقتل ونحوها لها تأثير سلبي كبير فيهم.

وهناك أيضاً المهددات الأخلاقية التي تهدد الطلاب، مثل المواد الجنسية كالصور والمقاطع الإباحية، والعبارات البذيئة، والتحرشات اللفظية، وغيرها.

والخطر في أحيان كثيرة يأتي من زملاء الدراسة أنفسهم من رفقاء السوء، فعلى الطلاب أن يحذروا من ذلك، وأن يبلغوا المسؤولين في مدارسهم عن أي نشاط سلبي موجه نحوهم في مواقع التواصل من قبل بعض زملائهم، ليتسنى للمدرسة وضع العلاج المناسب، وحمايتهم من هذه الأنشطة السلبية.

وقد أثبتت كثير من الدراسات والبحوث والتقارير واستطلاع الآراء أخطار سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي على الطلاب، وأثرها في إضعاف تحصيلهم الدراسي.

وتزويدهم بالسلوكيات السلبية، ومن ذلك ما قامت به وحدة البحوث في مجلس أبوظبي للتعليم في فبراير 2016 من استبيان حول استخدام الطلبة لوسائل ومواقع التواصل الاجتماعي، وأظهرت النتائج تعرض نسب عالية منهم للاستقطاب وبث رسائل الكراهية، والاحتيال، وانتهاك الخصوصية، والتعريف بطرق الحصول على المخدرات والخمور.

إضافة إلى مقاطع تحض على الفجور، مع تداعيات أخرى ومنها التنمّر، وهو استخدام الإنترنت والتقنيات المتعلقة به وخاصة مواقع التواصل لإيذاء الآخرين بشكل متعمد، وكثيراً ما يكون الجاني والضحية من طلاب المدارس، لكون هذه الظاهرة أكثر ما تكون بين المراهقين.

ومن المهددات التي تواجه الطلبة أيضاً، مشكلة الإدمان على هذه الأجهزة الإلكترونية، وقد كشفت الدراسة السابقة أن واحداً من بين كل أربعة طلاب من المشاركين في الاستبيان يدمن استخدام وسائل وتطبيقات التواصل الاجتماعي لفترة تتجاوز خمس ساعات يومياً، وهو ما يؤثر سلباً في تحصيلهم الدراسي، ويؤدي بهم إلى العزلة الاجتماعية، وبث روح الانطوائية في نفوسهم.

وانعزالهم عن المجتمع، وقد تمتد هذه العزلة بين أبناء البيت الواحد، فيصبح كل فرد منعزلاً في عالمه الخاص، فيضعف التواصل الأسري، وتضعف العلاقات بين الأبناء، والمشكلة الكبرى أن تمتد هذه الظاهرة لتصيب الأب أو الأم أو كليهما، فينشغلا بأجهزتهما الإلكترونية عن أبنائهما، ويتركانهم عرضة للإهمال، فيصبحوا في خطر عظيم، مهددين بأي آفة فكرية أو أخلاقية.

ومما لا شك فيه أن دور الأسرة تجاه الأبناء دور كبير وأساس، وذلك عبر تعاهدهم بالعناية والرعاية، ومتابعة أنشطتهم في العالم الافتراضي، وإرشادهم إلى الاستخدام السليم، وتحذيرهم من الاستخدام المضر، ومتابعة سلوكياتهم، وملاحظة أي تغير يطرأ عليهم، ليكونوا لهم خير عون وسند في استثمار هذه الأجهزة على أحسن وجه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع.

وكلكم مسؤول عن رعيته»، ولأنه لا يمكن تحقيق الرقابة الأسرية بنسبة مئة في المئة، لا بد من تعزيز الوازع الديني والرقابة الذاتية في نفوس الأبناء، وتنمية الإيمان لديهم، ليكون الابن رقيباً على نفسه، يتحرى الاستخدام السليم، ولو غابت عنه الأعين والأنظار، وعلى طلابنا أن يكونوا عند حسن الظن بهم، فهم رجال الغد، وبُناة المستقبل، وعليهم تُعقد الآمال، وقد أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم، أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله شاب نشأ في عبادة الله.

أسأل الله تعالى أن يحفظ طلابنا، ويأخذ بأيديهم إلى كل خير، وينير لهم طريق السعادة والتوفيق.

 

Email