أي قانون يا أميركا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

شغل الكونغرس الأميركي، الرأي العام العالمي، في الأيام القليلة الماضية، بإصدار «قانون جاستا»، الذي يقر بسريان القانون الأميركي على دول أخرى، وهو ما يحدث لأول مرة في التاريخ، والواقع أن ذلك هو تتويج لنشر ثقافة القبول بمنطقها ورؤاها الأنانية البحتة، كما جسدته أفلام رعاة البقر، بخبث ودهاء، والانتصار لوحشيتهم وهم يبيدون الهنود الحمر، أبناء القارة الأصليين.. قانون جاستا الصادر في نهاية شهر سبتمبر الماضي، يعتبر الولايات المتحدة، الحاكم والمتحكم في العالم باسره!!.

ولا يخفى على أكثر المراقبين سذاجة وحسن نية، أن قصد القانون المشبوه، هو المملكة العربية السعودية، على أساس اتهامها بأنها وراء عدوان سبتمبر، أيلول 2001، ولا أحد يجهل أن الهجوم كان ذريعة واشنطن في تدمير العراق، ويبقي التساؤل: ما معايير المحامي أو القاضي الأميركي لتحديد مسؤولية دولة أجنبية، ذات سيادة، عن عدوان سبتمبر؟..

وقد حذر بعض الخبراء من خطورة هذا التشريع الأميركي الغريب، المتوقع أن يتسبب في تفشي فوضى قانونية عارمة في العالم بأسره، وترك الحبل على الغارب للأميركيين من أصول أوكرانية أو إيرانية مثلاً، في ملاحقة روسيا وبريطانيا، وفي حالة الإدانة، يقرر القاضي الأميركي تجميد أرصدة الدولة المدانة.. ويكاد يجمع المحللون السياسيون، على أن الكونغرس يرمي من وراء تشريعه الصادر بعد مرور أكثر من عشر سنوات، على أحداث سبتمبر، إلى الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من أرصدة المملكة العربية السعودية، والتي يُقدر احتياطيها النقدي بنحو 560 مليار دولار، منها 96 ملياراً أذونات خزانة أميركية.. ويرى البعض أن القانون بمثابة قنبلة، من شأنها الإضرار البالغ بسمعة الولايات المتحدة المالية، ناهيك عن إلحاق الضرر أيضاً بالعلاقات الاستراتيجية العسكرية بين واشنطن والرياض!!..

وتكثر التساؤلات في هذا السياق، ومن أهمها دور واشنطن ذاتها في دعم وتسليح التنظيمات الإرهابية التي تتدثر برداء الإسلام، ولا ينسى أحد، كيف كان بن لادن وتنظيم القاعدة، ركيزة أساسية لواشنطن إبان حرب أفغانستان، ودورهم في هزيمة الاتحاد السوفييتي السابق، والغريب أن الرئيس الأميركي رونالد ريغان، كان يصف هؤلاء بالـ «مجاهدين» طوال الحرب، وما إن انهار الاتحاد السوفييتي، حتي سارع بوصفهم بالـ «إرهابيين !».

الولايات المتحدة، لم تقل لنا عن حقوقنا نحن العرب، وفق القانون الدولي، وحتى وفق قانون جاستا، في ملاحقة جورج بوش والدولة الأميركية ذاتها، بتهمة تدمير العراق وقتل الملايين من أبنائه، وتشريد ملايين أخرى، بدعوى أنه يمتلك أسلحة دمار شامل..

وهو ما ثبت كذبه، واكتفى المعتدون بمنحنا شرف الاعتذار عن هذا «الخطأ» البسيط!!، بعد ما مزقت ثورة يونيو العظيمة، المخطط الجهنمي، والذي لخصه وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنغر، في أن «أكبر ضمان لبقاء إسرائيل في المنطقة العربية، هو تفتيت المنطقة إلي دويلات عرقية وطائفية!»، علينا الانتباه إلى الدافع الأساسي وراء الهجمة الأميركية الشرسة ضد السعودية، وهو في رأي بعض الخبراء والمحللين السياسيين، معاقبة المملكة على دعمها لمصر بعد نجاح ثورة يونيو، وكيف يمكن أن تتسامح صاحبة مشروع التفتيت مع دولة تساند مصر، التي مزقته، وجعلت دولاً عربية، كانت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، تستعيد وحدتها خطوة خطوة؟.. قانون جاستا يقول بأعلى صوت.. حذار من استئمان أميركا على، ولو ربع دولار، وليتنا نحقق حلم الشعوب، بأن تحل العملة العربية يوماً محل الدولار.

Email