ابتزاز الكونغرس مكلف على واشنطن

ت + ت - الحجم الطبيعي

بكرم بالغ، أقر الكونغرس الأميركي منح إسرائيل دعماً عسكرياً بقيمة 38 مليار دولار خلال السنوات العشر الماضية، بزيادة قدرها خمسة مليارات عما كانت الإدارة الأميركية نفسها قد طلبت اعتماده!

في الوقت نفسه كان الكونغرس يحيي ذكرى مرور خمس عشرة سنة على أحداث 11 سبتمبر، فيقر «قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب» الذي يسمح لعائلات الضحايا بأن يقاضوا الدول التي يرتكب رعاياها جرائم إرهابية داخل الولايات المتحدة الأميركية، مع تشديد الأعضاء على أن المقصود أساساً هو المملكة العربية السعودية، وإن كان هناك دول عربية أخرى مثل مصر سيطالها التهديد.

الرئيس الأميركي أوباما قال إنه سيعارض القانون لأنه يضر بالمصالح الأميركية، لكن القصة لن تنتهي هنا. فسيعود القانون في هذه الحالة، وقبل 23 من سبتمبر الحالي إلى الكونغرس لإعادة النظر ثم التصويت من جديد، فإذا تم إقراره بأغلبية الثلثين كان الرئيس الأميركي مجبراً على إصداره. والمتوقع ألا يتم ذلك قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر، التي سيترافق معها انتخابات تشمل معظم أعضاء الكونغرس حيث ستكون الضغوط أقل منها الآن، حيث يسعى الجميع لاسترضاء الناخب الأميركي.

ومع ذلك ففي كل الأحوال نحن أمام كونغرس صهيوني الهوى، ونحن أمام صعود لليمين العنصري، ومحاولات لتصعيد العداء ضد المسلمين والعرب وتحميلهم مسؤولية الإرهاب في العالم كله، وليس عن 11 سبتمبر فقط، والخطير أن هذا التيار يتنامى في الغرب كله ويجتاح العديد من دول أوروبا على خلفية جرائم الدواعش والعمليات الإرهابية والتهديدات لأمن أوروبا والعالم وموجات الهجرة التي سببها - من وجهة نظر اليمين العنصري - إرهاب الجماعات التي تدعي الإسلام!

في مثل هذه الأجواء، لا بد من إدراك تام لخطورة مشروع قانون الكونغرس، ولا بد ألا نركن فقط لاعتراض الإدارة الأميركية خوفاً على مصالحها، وإنما لا بد من خوض المعركة بكل قوة، وفضح المؤامرة، ورفض الخضوع لهذا الابتزاز الرخص، لأن الخضوع له ستكون له أثمان سياسية أكبر بكثير من الأثمان المالية! المتهم في أحداث سبتمبر هي «القاعدة» وهي صناعة أميركية قلباً وقالباً، وإذا كان السحر قد انقلب على الساحر، والعميل قد وجه رصاصته لمن صنعه، فليس هذا ذنب العرب ولا المسلمين، وليس هذا مبرر لأن يصرخ الرئيس الأميركي بوش الابن بعد أحداث سبتمبر بأن هدفه هو العراق اذي لم تكن له أي علاقة بالأحداث، ثم يبدأ مسيرته الشائنة نحو العراق المنكوب عن طريق أفغانستان التي كان قد زرع فيها الإرهاب ورعاه حتى انقلب عليه!

وإذا كان الكونغرس الأميركي يريد محاسبة الدول التي ترعى الإرهاب حقيقة، فلتكن الحقائق وحدها طريقنا لهذا الحساب. لقد أخفى الأميركيون 28 صفحة من تقريرهم حول أحداث سبتمبر من أجل ابتزاز الآخرين، ثم عندما اضطروا لإذاعته، تبين للجميع أن لا دور للإدارة السعودية في هذه الجريمة، ولا لأي دولة عربية أخرى!

وإذا تجاوزنا عن رعاية أميركا لإرهاب القاعدة، ولجماعات إرهابية أخرى مثل «الإخوان» فإن الأسئلة عديدة عن مسؤولية «رعاية الإرهاب» الذي كان العرب بالذات أكبر ضحاياه.

تستطيع أميركا أن تتمسك بإجبارها لحكومات في العراق على توقيع التزامها بعدم مقاضاة الأميركان على الجرائم التي يرتكبونها على أرض العراق! لكن هذا - في حد ذاته - دليل على اعتزام أميركا ارتكاب هذه الجرائم التي رأينا مثالاً لها في «أبو غريب» لكن الأسوأ غاب بالطبع في ظل إعلام وضع تحت السيطرة، وفي ظل حرب بنيت على أكذوبة فاضحة وبلا قرار دولي.. فهل يمكن أن يكون توقيع البعض على إعفاء الأميركان من جرائمهم مبرراً لتبرئة الإدارة الأميركية من المسؤولية عن مقتل مليون عراقي وتدمير دولتهم وتسليم مصيرهم لإيران لتنتقم من عروبتهم؟!

ثم إذا كان الكونغرس الأميركي يبحث عن مقاضاة الدول التي ترعى الإرهاب، فماذا عن مسؤوليته ومسؤولية الإدارة الأميركية عن جرائم إسرائيل في حق الفلسطينيين والعرب، التي دعمتها أميركا رسمياً بأكثر من ثلاثين مليار دولار من المعونة العسكرية خلال السنوات العشر الماضية، يرفعها الكونغرس الآن إلى 38 ملياراً.. دون احتساب المعونات الأخرى التي لا تستطيع إسرائيل الحياة دونها.

وماذا يقول الكونغرس الأميركي عن الجرائم التي تم ارتكابها في حق الشعوب العربية في سوريا وليبيا واليمن، وعن دعم الفاشية الإخوانية لتحكم بالإرهاب أكبر دولة عربية وعن الوقوف ضد إرادة شعب مصر وهو يسقط هذه الفاشية ويكشف عمالتها التي كانت واشنطن - وما زالت - تحرص عليها؟!

لا تكفي قرارات الشجب والتنديد بقانون الابتزاز الأميركي، فيلكن الرد حاسماً: الإرهاب صناعة أميركية، والمسؤولية عن 11 سبتمبر يتحملها من دعموا «القاعدة» قبل أن تنقلب عليهم.

Email