الأزمة الليبية وأمن مصر الوطني

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ أن نجحت داعش في السيطرة على مدينة سرت الليبية ونفذت حكم الإعدام على عدد من الأقباط المصريين تصادف وجودهم عمالاً في المدينة، أصبحت الأزمة الليبية شاغل كل بيت في مصر، والتهديد الرئيسي الذي يضرب أمن مصر الوطني ويسبق في خطورته وأولويته كل التحديات الأخرى!

وبرغم نجاح قوات حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فايز السراج في دخول سرت وطرد فلول داعش من آخر أحيائها، بعد أن تواصل القصف الجوي الأميركي لمواقع داعش ومراكز سيطرتها في المدينة لأكثر من أسبوعين، تفككت خلالهما قوات داعش التي اضطرت أخيراً إلى الهرب جنوباً إلى مناطق الحدود بين ليبيا وتشاد والنيجر.

ومعظم هؤلاء تونسيون عملوا في صفوف داعش في سوريا والعراق وعادوا إلى ليبيا بعد الهزائم الأخيرة التي مني بها تنظيم داعش على أمل أن تصبح ليبيا قاعدة بديلة في شامل أفريقيا، يزيد أعدادهم على أربعة آلاف مقاتل ويتمركزون الآن على حدود ليبيا الجنوبية، يخططون للعودة مرة أخرى وربما بصورة أشد خطراً إن نجحوا في التحالف مع منظمة بوكو حرام الإرهابية التي تهدد أمن دول شمال أفريقيا وصولاً إلى النيجر وتشاد ونيجيريا.

برغم هذا النجاح المهم الذي يتمثل في طرد داعش من مدينة سرت الليبية، لا يزال داعش يشكل خطراً كبيراً على أمن ليبيا، ولا يزال يشكل بالضرورة خطراً مماثلاً على أمن مصر الوطني، وثمة توقعات لوزير الخارجية الفرنسي بأن داعش لن تتوقف عن محاولات العودة إلى ليبيا كي تضرب أمن مصر وأمن تونس في ظل الفوضى الراهنة التي تحكم البلاد.

والانقسام الحاد الذي يفصل بين المنطقتين الشرقية (بنغازي) والغربية (طرابلس)، ووجود ميليشيات عسكرية تحكم عدداً من المدن الليبية بقوة الحديد والنار، وفي ظل تعثر الحوار الوطني الذي تشرف عليه الأمم المتحدة، ويضم معظم قيادات الشرق والغرب حول قضايا المصالحة الوطنية وتوزيع الثروة والسلطة.

مع الأسف هذه هي ظلال صورة الأزمة الليبية، كما تعرفت عليها خلال زيارة سريعة لتونس استمرت يومين، حيث عقد تحت إشراف المبعوث الأممي لليبيا مارتن كوبلر ورشة عمل ضمت معظم شخوص الحوار الوطني الليبي (70 شخصية بينهم سبع سيدات) موضوعها (الطريق إلى المصالحة الوطنية)، لم تسفر حتى الآن عن بشارة أمل تدفعنا إلى الاعتقاد بأن الأزمة الليبية يمكن أن تنفرج قريباً.

وإن كانت الصورة لا تخلو من أضواء عدة تنير بعض الجنبات المعتمة، وتحض على بعض التفاؤل، وتؤكد الرفض الكامل لجموع الشعب الليبي بقبائله ومجتمعه المدني ونخبته الاقتصادية والعسكرية والفكرية التعايش مع فكر هذه الجماعات المضللة، أو التوافق مع الميليشيات المسلحة التي لا تزال تحكم عدداً من المدن الليبية، أبرزها مدينة مصراته التي يتشكل قوامها العسكري من ميليشيات الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تعتقد أن كثرة سلاحها وقوة عتادها، وإسهامها في مطاردة وقتل العقيد القذافي يعطيها أفضلية وامتيازاً خاصاً، يليها ميليشيات قبائل الزنتان الشديدة المراس التي ترفض الفكر المتطرف، وتدافع عن وحدة الدولة والتراب الليبي وتوازن كثيراً الموقف في المنطقة الغربية.

أول ما يدعو إلى التفاؤل، أن قوات داعش في ليبيا التي يتشكل أغلبها من التونسيين العائدين من سوريا والعراق، ويتمركزون الآن على حدود ليبيا الجنوبية بعد أن فروا خارج الحدود إثر تحرير مدينة سرت.

لأنهم لم يجدوا ملاذاً آمناً أو حاضنة شعبية تعطيهم فرصة أن يعشعشوا داخل المجتمع الليبي ويكرسوا وجودهم في مناطق بعينها، وتخطط داعش لتحويلها إلى قواعد تنطلق منها العمليات الإرهابية، أبرزها منطقة درنة التي تشكل هضبة عالية تقع على مسافة 75 كيلو متراً من الحدود المصرية كانت داعش تجهزها كقاعدة تنطلق منها عملياتها ضد مصر .

والتي نجحت في مرة نادرة في الوصول إلى أبواب مدينة مارينا، ثم منطقة صبراته في أقصى الغرب على حدود تونس التي تحولت إلى قاعدة مماثلة انطلقت منها بالفعل عمليات الهجوم الإرهابي التي وصلت إلى تونس العاصمة، كما وصلت إلى مدينة سوسة واحدة من أشهر المصايف التونسية، حيث ارتكب التنظيم جرائم قتل غادرة!

ويكشف رفض الليبيين إعطاء داعش أي ملاذ آمن انتصار الوسطية والاعتدال في وجدان الشعب الليبي الذي يناصب أفكار هذه الجماعات العداء ويلفظها ويعتقد أنها تمثل خروجاً عن مفاهيم الإسلام الصحيح.

 

Email