عبء قاتل

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان التشديد على التنوع مأزق الأمم، وليس قوتها، على مر التاريخ. وتوجت الامبراطورية الرومانية بالنجاح طالما أن الأيبيريين واليونانيين والإغريق والكثير من الجماعات الأفريقية والآسيوية والأوروبية كانوا يتحدثون اللغة اللاتينية، ويعتزون بحق المثول أمام المحكمة وينظرون إلى كونهم روماناً على أنه أفضل من التماهي في هوية واحدة مع القبائل التي ينتمون إليها. وبحلول القرن الخامس عشر ساد التنوع، إلا أنه أثبت لاحقاً أنه عبء قاتل.

تفككت روما عندما أصبحت غير قادرة على استيعاب التدفقات الجديدة من قبائل شمال أوروبا. ولم تكن لدى القادمين الجدد أي نية للتخلي عن هوياتهم القوطية أو الهونية أو الفاندالية.

ولم تعتبر دعاية الامبراطوريات متعددة الثقافات على امتداد التاريخ، ومنها العثمانية والروسية والنمساوية المجرية والبريطانية والسوفييتية، يوماً قوة تنوعها. ولتجنب الفوضى تفاخرت حكوماتها بشأن المزايا الدينية والأيديولوجية والملكية بالوحدة وليس التنوع.

عندما أخفق مثل ذلك الانسجام الإجباري في بعض الدول، عانت تلك الدول من النتائج الأسوأ للتنوع، وذلك عندما بدأت القبائل والطوائف بالالتفاف حول بعضها البعض، إلى حد مهلك.

ولبعض الأسباب، تعتقد أميركا المعاصرة أن بإمكانها نبذ وعاء دمجها الاجتماعي الفريد، لاعتناق النزعة الانفصالية الخطيرة التي فقدت مصداقيتها.

هل هناك من دليل من الماضي على أن إضفاء الصبغة المؤسسية على الطوائف والمظالم الإثنية سيضمن أمن البلاد وازدهارها، وحريتها؟

تأتي بوتقة الدمج الأميركية كاستثناء وحيد في التاريخ من بين استثناءات كثيرة مرتبطة بالثقافة المشتركة واللغة والقيم. إلا أن ذلك انحراف تاريخي يتصاحب مع مستقبل ينظر إليه بعين الشك.

هناك بعض الطلاب في كلية كلاريمونت بولاية كاليفورنيا، ممن يطلبون، وبكل صراحة، العيش مع زملاء سكن من العرق ذاته. كما أن هنالك فصلاً عنصرياً »للأماكن الآمنة« في حرم الجامعات. ودائماً ما نتحدث عن تصويت الكيانات على أساس اللون، كما لو أن تصويت المجموعات، الآسيوية، واللاتينية، والسود، والبيض، هو أمر جيد.

لقد لعبت بعض الشخصيات العامة دوراً في إظهار أو اختراع مزايا التنوع. لتتمثل النتيجة بمهزلة في بعض الأحيان، وذلك كما هي الحال مع إليزابيث وارن، وراشيل دوليزال، ووارد تشرشل.

كيف يمكن لإنسان قياس التعويضات النسبية للأعمال الوحشية المتعددة في الماضي، كالعبودية والهولوكوست والحروب الأميركية الهندية وقوانين الإعدام الكاثوليكية أو الآسيوية، والاعتقاد السائد في القرن الثامن عشر بأن الأيرلنديين ليسوا بشراً؟

تعلن مدن الملاذ، على غرار تلك التي اشتهرت في خمسينيات القرن التاسع عشر في ريتشموند أو تشارلستون، تعلن الآن نفسها، وعلى نحو صريح، بأنها باتت عصية على القانون الفيدرالي. هل يضمن ذلك التحدي الحق لكل مدينة في تجاهل كل القوانين الفيدرالية التي تجدها غير ملائمة، وذلك بدءاً بالقوانين التي تعود لأربعينيات الألفية الثانية.

تتوقف مسألة التنوع على المواطنين الأميركيين الذين لا يزالون يصورون السكان البيض، الآخذين بالانخفاض، على أنهم »أغلبية«. ومع ذلك لا يمكن تحديد »البيض« بسهولة، حالياً، بالنظر إلى الهويات القائمة والزيجات المختلطة.

في ولاية كاليفورنيا، فإن أولئك الذين يتم تصنيفهم على أنهم »بيض« في صناديق الأعراق يعتبرون الآن »أقلية«. لذلك هل سيعلن أهالي كاليفورنيا البيض، قريباً، أنفسهم كأقليات مظلومة.

وبالتالي هل سيطالبون بإيجاد تصرف إيجابي ويشجعون وضع أسماء تماثل الفايكنغ، مثل راجنار أو أودين، فضلاً عن إدخال تغيرات في طريقة لفظ المسميات ليهولوا من حسن نواياهم الأوروبية، ويسعون لفصل المساكن الأوروبية الأميركية، فضلاً عن وضع برامج في الجامعات مثل »دراسات القوقاز«؟

وتتخرج النساء اليوم من الجامعة بنسب أعلى من الرجال. لذا هل ستكون هناك جهود من جانب الرجال لضمان أخذ فعل مؤكد في ما يخص مسألة قبول الجامعات ومعدلات التخرج؟ وفي حال وصل تصويت البيض إلى ما نسبته 70% لمرشح معين، هل يعتبر ذلك في الحقيقة أمراً جيداً، على غرار ما جرى عندما حصل الرئيس الأميركي باراك أوباما على الثناء بسبب تسجيل 95% من أصوات السود؟

لقد آن الأوان للتراجع عن حافة سياسة الفصل العنصري. حتى دعاة التنوع، كأوبرا وينفري، كان لها رأي آخر عن عدم وجود قواسم مشتركة في أميركا. وقد تعهدت أوبرا، أخيراً، بالتوقف عن استخدام كلمة »تنوع«، لتفضل الآن كلمة »شمول«.

لا يستولي أحد الخريجين الجامعيين من أميركا اللاتينية، من الذين قد درسوا أدب شكسبير، على الإرث الثقافي الأبيض الأوروبي، ولكنه يسعى، عوضاً عن ذلك، لرفعة الأفكار، والإنسانية المشتركة.

كما لا يتصرف الأميركيون من أصل أفريقي، ممن يتفوقون في الفيزياء والهندسة، على أنهم »بيض«، بل يعثرون على الطريق الأمثل لمواهبهم الطبيعية.

إن يمتزج دم المرء بأعراق مختلفة إلى جانب العرق الأبيض ليس أمراً محكوماً بجوهر المرء، ولا يرتبط بشخصيته ولا سلوكه. وما من أحد يؤثر على ثقافة أي شخص عندما يصبغ السود شعرهم باللون الأشقر، أو عندما تفضل الشقراوات تصفيف شعرهن كالأفريقيات.

يحتاج الحرم الجامعي، وبشدة، للوحدة، لا التنوع. وإلا فإنه سينتهي بنا المطاف بخمسين دولة منفصلة ومتنافسة، على غرار الدول الفاشلة في التاريخ التي دمرها الخلاف بين قبائلها.

 

Email