هل تعود السكينة للإنسان؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد يحتار الإنسان بشكل عام، ومن يكتب مقالات، سواءً يومية أو أسبوعية أو شهرية، في ما يتناول، في ظل جريان أنهر من دماء الأبرياء في الكثير من البلدان، وخاصة في تلك التي تعتقد أنها نامية، وفي الواقع، هي رابضة على صدور من يحاول أن يتنفس بحرية، بعيداً عن هوائها الملوث برائحة الغدر، وتسودها العقلية التآمرية التي لا تثق بأحد.

ألم يتعلم الإنسان أن الفـــــــكر باقٍ، وإن زالت الأجساد، فلا القضبان أو غيرها من وسائل حجز الإنسان، وكأنه حيوان لم يستطع ترويضه أو إسكاته، سواء بالــمال أو المناصب، وإن الإنسان الحر لا يهتم بتلك المغريات، والتي بالنسبة له قيود جديدة لا يمكن كسرها، حتى لو وضــعت على المعاصم والأقدام؟!

كان الهروب والتسلل إلى الدول الآمنة، هو قارب النجاة من الموت، وحتى الأطفال لم يسلموا من أولئك الجلادين ممن ماتت عقولهم ومشاعرهم، وسادت بينهم السادية ، وربما المازوخية؟!، وهي أمراض نفسية، تحد من النظرة الإنسانية للآخرين، وعليه، فهم يرون البشر وكأنهم قطيع من الخرفان أو ثيران هائجة تنطح كل من يقف أمامها.

ونجد أن كبار الموسيقيين، وخاصة في القرن السادس عشر، قد عبروا عن ذلك بالمعزوفات الخالدة، وخلدت مؤلفيها من موزارت إلى بيتهوفن أو سلطانوف، حيث كانت الآلات الموسيقية هي الأداة التي تحرر الإنسان من العبودية، وتجعله ينطلق نحو آفاق الحرية والسلام والمساواة، أليست معزوفة «مسيرة العبيد Slave March»، هي التي عبرت عن التمرد والتطلع نحو عالم يسوده النور والحرية، وهي أكسجين الحياة.

لا يزال الإنسان في الوقت الراهن يستمع لتلك الموسيقى بصمت، حيث إنك لو رميت إبرة صغيرة لسمعت صوت وقوعها على الأرض، ما يوحي بأن الإنسان الصامت هو في الوقت ذاته يفكر في العديد من الأمور، من دون أن يشعر به أقرب الناس إليه من الجالسين.

ولا عجب إن قام بعض من محبي تلك الموسيقى لحضور حفلة في الدول الأخرى، والعودة إلى موطنهم في نفس اليوم، أليست هي التي تتسرب إلى العقل، تحمل رائحة أجمل من العطر، وفي الدول العربية، نجد أن البعض يسافر إلى حفلة لمطربه أو مطربته المفضلة للاستماع إلى الأغنيات العاطفية والوطنية وغيرها، ولعل الراحلة أم كلثوم، شاهدة على ذلك الحضور، ولا ننسى فيروز، وعوض الدوخي، وأبو بكر سالم، جابر جاسم وغيرهم من المبدعين.

هل هذه رفاهية أم احترام للموسيقى بشكل عام، ولا ننسى موسيقى العامرية، والتي جسدت تلك المأساة، وهي مأساة الإنسان العراقي، مهما كانت ديانته أو مذهبه أو اتجاهاته السياسية من اليمين إلى اليسار وغيرهما، وهي تعبر عن القمع الذي عاناه الشعب العراقي في ذلك الوقت، حيث القتل يصيب كل من يعتقد النظام حين ذاك أنه خارج سربه أو غير ذلك.

لقد جسد الفنان الراحل عبد الحليم حافظ، رائعة نزار قباني، قارئة الفنجان، وظلت إلى الآن من روائع أغاني الموسيقية العربية، بآلاتها وبصوت العندليب الأسمر، وهي من الأغنيات التي تحاكي حلم الإنسان، من خلال قارئة الفنجان. هل تعود السكينة والأمن للإنسان، أم أن ذلك مثل السراب، أو مجرد حلم يخرج منه الإنسان في حالة اليقظة، والتي يهرب منها بأحلام اليقظة، وحتى هذه لا ينالها، فالحياة صاخبة دائماً، وعلى من يبحث عن التمييز، أن ينسى هذا العالم من حوله، ويركز في تفكيره عن كيفية الإبداع، وتشكيل شيء ما يعد جديداً في كل النواحي.

Email